قال بيان صادرعن مؤسسات مجتمع مدني وأكاديميون بانها تنظر بقلق بالغ إلى تصاعد التدهور الحاصل في النظام القانوني الفلسطيني بفعل تصاعد وتيرة إصدار القرارات بقانون في الضفة الغربية، وما يقابلها في قطاع غزة، والتي تأتي على حساب احترام مبدأ سيادة القانون، والفصل بين السلطات، واحترام القيم الدستورية. الأمر الذي يعكس عمق الأزمة في النظام السياسي الفلسطيني، والتي لا يمكن تجاوزها، إلا من خلال إعادة الاعتبار للنظام السياسي ووقف حالة التدهور المستمرة فيه بإجراء الانتخابات العامة.
وقال البيان "في سياق تلك الأزمة، وصل الانحراف التشريعي حد مخالفة جوهر وفلسفة القاعدة القانونية وغايتها الرئيسية المتمثلة في المصلحة العامة، التي تبنى على معايير موضوعية وليس شخصية، حيث بات العديد من تلك التشريعات، وبخاصة في الآونة الأخيرة، يهدد بانهيار المنظومة التشريعية بما تنطوي عليه من مساس خطير بمبادئ سيادة القانون، واستقلال القضاء، وتكافؤ الفرص والشفافية، وقيم النزاهة والمساواة وعدم التمييز، واحترام الحقوق والحريات العامة. وقد كان آخر هذه التشريعات؛ القرار بقانون المعدل لقانون مكافحة الفساد".
واضاف البيان "أصدر الرئيس محمود عباس قراراً بقانون بتاريخ 15/02/2017 بشأن تعديل قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته، واستهدف حصراً تعديل الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون المذكور التي حددت مدة رئاسة هيئة مكافحة الفساد بسبع سنوات غير قابلة للتجديد، وذلك بإضافة فقرة رابعة جديدة على ذات النص جاءت بالآتي: " على الرغم مما ورد في الفقرة الأولى من هذه المادة، يجوز بقرار من رئيس الدولة التمديد لرئيس الهيئة لمدة إضافية أقصاها سنتين". وإلغاء كل ما يتعارض مع أحكام هذا القرار بقانون، والعمل به من تاريخ صدوره، ونشره في الجريدة الرسمية".
وقال البيان "في اليوم التالي، أي بتاريخ 16/02/2017، أصدر الرئيس قراراً رئاسياً نص في مادته الأولى على "التمديد للسيد/ رفيق شاكر درويش النتشة رئيساً لهيئة مكافحة الفساد لمدة سنة" فيما نصت المادة الثانية منه على أن يُعمل بقرار التمديد للسيد رفيق النتشة اعتباراً من تاريخ 09/03/2017 وينشر القرار في الجريدة الرسمية".
وبالرجوع إلى القرار الرئاسي رقم (56) لسنة 2010 بتعيين السيد رفيق النتشة رئيساً لهيئة مكافحة الفساد بدرجة وزير (هيئة مكافحة الكسب غير المشروع بذلك الوقت) فإنه قد صدر بتاريخ 09/03/2010 أي قبل سبع سنوات من بداية التمديد له.
وعليه، فإن الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، والائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، ومؤسسة الحق، والمركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة"، ومركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية " شمس"، المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحيّة، ومركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان، ونقابة المحاميين النظاميين الفلسطينيين، ومجموعة من الشخصيات الأكاديمية والخبراء القانونيين يطالبون السيد الرئيس بإلغاء القرار بقانون المذكور وقرار التمديد لرئيس هيئة مكافحة الفساد للأسباب التالية:
أولاً: إن القرار بقانون الصادر بتاريخ 15/02/2017 بتعديل قانون مكافحة الفساد لا ينطبق عليه صفة التشريع، وذلك لأن التشريع ينطوي على قواعد قانونية "عامة ومجردة" أي أنها لا تكون موجهة إلى شخص معين بالذات ولا إلى واقعة محددة بعينها، وإنما لأي شخص أو واقعة تتوافر فيها شروط تطبيق القاعدة القانونية دون تمييز، وحيث أن القرار بقانون المذكور الذي أجاز لرئيس الدولة "التمديد" لرئيس الهيئة لا يمكن أن ينطبق إلاّ على شخص معين بالذات، هو السيد رفيق النتشة في تلك الحالة، وحيث أن الغاية من التشريع التي تتمثل في المصلحة العامة تُبنى على معيار موضوعي، وليس على حالة فردية بعينها، فإننا نكون بذلك أمام حالة من حالات الانحراف التشريعي التي تستوجب البطلان، سواء وقع هذا الانحراف من خلال تشريع استثنائي صادر عن الرئيس كما في الحالة المعروضة أم من خلال تشريع أصيل صادر عن المجلس التشريعي الفلسطيني.
ثانياً: إن القرار الرئاسي الصادر بتاريخ 16/02/2017 بالتمديد للسيد رفيق النتشة رئيساً لهيئة مكافحة الفساد لمدة سنة، والذي صدر بعد يوم واحد من القرار بقانون المذكور وبالاستناد إليه، يؤكد انتفاء الغاية التي يجب أن تتوفر دوماً في التشريع والتي تتمثل في المصلحة العامة، لصالح شخص بعينه – مع الاحترام- هو السيد رفيق النتشة رئيس هيئة مكافحة الفساد الذي جرى التمديد له، وقد نص القرار الرئاسي على سريان التمديد اعتباراً من تاريخ 09/03/2017 أي بالتزامن مع انتهاء مدة السبع سنوات لرئيس الهيئة الحالي التي نص عليها قانون مكافحة الفساد قبل التعديل الأخير، بما يؤكد وقوع حالة الانحراف التشريعي.
ثالثاً: إن القرار بقانون الصادر بشأن التمديد لرئيس الهيئة الحالي مخالفٌ لأحكام المادة (43) من القانون الأساسي المعدل التي جرى الاستناد إليها لإصداره؛ لانتفاء شرط "الضرورة التي لا تحتمل التأخير" التي أكد النص الدستوري المذكور على وجوب توافرها لصحة إصداره من الناحية الدستورية، وذلك لإمكانية تعيين رئيس جديد للهيئة بعد انتهاء مدة السبع سنوات التي نص عليها قانون هيئة مكافحة الفساد، وانتفاء صفة الاستعجال والخطر الجسيم الذي تقوم عليه نظرية الضرورة.
رابعاً: إن النص على سريان القرار بقانون بشأن التمديد لرئيس الهيئة من تاريخ صدوره مخالفٌ لأحكام القانون الأساسي المعدل، وذلك لأن القوانين سواء أكانت أصيلة أم استثنائية (قرارات بقوانين) لا تنفُذ إلا في مرحلة النشر في الجريدة الرسمية، وهذا ما أكدته المادة (116) من القانون الأساسي المعدل "تصدر القوانين باسم الشعب العربي الفلسطيني، وتنشر فور صدورها في الجريدة الرسمية، ويعمل بها بعد ثلاثين يوماً من تاريخ نشرها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك". أي ما لم ينص القانون على تاريخ للنفاذ، خلال مرحلة النشر، خلافاً للمدة الزمنية المبينة في النص الدستوري المذكور.
خامساً: إن قرار التمديد والحالة تلك ينطوي على مساس بمبدأ سيادة القانون بمفهومه الشكلي والجوهري كأساس دستوري للحكم الصالح، وبمفهوم الدولة القانونية، وبالمبادىء الدستورية التي تقوم على المساواة وتكافؤ الفرص.
سادساً: إن القرار بقانون وما تبعه من قرار رئاسي بشأن التمديد لرئيس الهيئة قد افتقر إلى مبدأ الشفافية بغياب المشاركة المجتمعية، بما من شأنه، علاوة على المخالفات الدستورية والقانونية التي واكبت عملية الإصدار، وغياب مذكرة إيضاحية أو أسباب موجبة تبين مبرراته وغايات التعديل، أن يؤثر بالمحصلة النهائية على استقلالية الهيئة.
إننا وإذ نكن كامل الاحترام والتقدير لشخص السيد رفيق النتشة وجهوده في تعزيز دور ومكانة هيئة مكافحة الفساد، فإننا وللأسباب القانونية والموضوعية سالفة الذكر نطالب بإلغاء القرار بقانون والقرار الرئاسي الصادر بشأن التمديد، واعتماد مبدأ الشفافية والمشاركة المجتمعية في تعيين رئيس جديد للهيئة تحرياً لأسس ومعايير الكفاءة والاختصاص في إشغال هذا المنصب، ونطالب بالارتكاز دوماً إلى القانون الأساسي المعدل والضوابط الدستورية ومبدأ سيادة القانون في التعامل مع القرارات بقانون.