يوحي المشهد السياسي الفلسطيني اليوم، بتغير في الحقب السياسية المسيطرة، يصدق هذا بشكل كبير على حالة الفصيلين الفلسطينيين الكبيرين: حركة فتح التي تدير حاليًا الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة.
حيث يبدو أن حالة رفض التداول السياسي قد أصبحت تنحسر في شهر شباط/ فبراير، عندما رشَّحت حماس قائدها العسكري يحيى السنوار ليكون رئيسها الجديد في غزة، ومع وصول عضو اللجنة المركزية في فتح، محمود العالول، إلى منصب نائب رئيس الحركة لأول مرة. فالتوجه الذي يعبر عنه الرجلان قد يشير إلى تحول كبير في السياسات الفلسطينية.
بالنسبة لمحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم حركة فتح، فقد كان تعيين العالول كنائب رئيس للحركة خطوة تكتيكية ذكية. فقد كان حلفاء عباس وخصومه يصرِّون على الحاجة لتعيين نائب والبدء بالتخطيط لانتقال سياسي مستقر، ولكن عباس، البالغ من العمر 81 عامًا، والقلق من تشجيع منافسيه، رفض القيام بذلك ولمدة طويلة.
وبدلًا من ذلك، أمضى الرئيس معظم وقته في إحكام سيطرته على السلطة وإقصاء منافسيه عنها، بحيث يضمن بقاءهم ضعفاء، بلا قاعدة شعبية يُمكنهم تهديده بها. على سبيل المثال، عندما انشترت الشائعات عن حصول انشقاقات في فتح قبيل مؤتمر للحركة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قام عباس بمنع المنشقين من حضور الاجتماع ووظَّف آليات الانتخابات الداخلية لإقصاء منافسيه.
وبتعيين العالول، البالغ من العمر 66 عامًا، كنائب رئيس حركة فتح، قام عباس بإبراز رجل يمتلك تاريخًا يمكِّنه من قيادة الحركة ولكنه يفتقد في نفس الوقت للقدرة على مزاحمته على السلطة. ويُعتبر العالول عضوًا قديمًا في حركة فتح وعسكريًا مخضرمًا في الجناح العسكري للحركة، وقد كان مسؤولًا عن عملية أسر وافتداء ستة جنود إسرائيليين في لبنان عام 1983، وعمل في التسعينات كمحافظ في الضفة الغربية.
ويعمل العالول حاليًا كرئيس مكتب التعبئة، وهو دور يقوم على إدارة النشاطات الشعبيّة للحركة، وكمنظم للمظاهرات الاحتجاجية ضد إسرائيل. يقال إنه مُقرَّب من عباس، ولكنه يختلف عنه بشكل كبير، فقد أيَّد في بعض الأوقات 'المقاومة' المسلحة.
إن إبراز العالول يعني أنه لا يمكن إقصاؤه من السباق على منصب عبَّاس، وقد كان هذا سببًا لتهميش زعيمين مؤهَّلين لهذا المنصب الكبير، وهما مروان البرغوثي وجبريل الرجوب. يقبع البرغوثي في السجون الإسرائيلية لعدة مؤبدات للشروع بهجمات خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية (بالرغم من حفاظه على النشاط السياسي وهو داخل السجن)، أما الرجوب فهو عضو قديم في جهاز المخابرات التابع للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وكلاهما يحتل مواقع عليا في جهاز صناعة القرار، وهي اللجنة المركزية.
وبعد تعيين العالول، وجهت زوجة البرغوثي نقدًا علنيًا لقيادات فتح لعدم تعيين زوجها الرجل الثاني خلف عباس. كان الرجوب في المقابل أكثر تصالحًا، ونظم مبادرة مريبة مع العالول لإظهار توافقه معه، ولكن، بمجرد رحيل عباس، قد يتحول التنافس بين هؤلاء الثلاثة، وغيرهم من الطامحين، إلى صراع عنيف.
أرض مجهولة
تتشابه المكائد الحاصلة ضمن حركة فتح مع تلك الموجودة ضمن الانتخابات الداخلية السرية لدى خصومها في غزة، التي ظهرت نتائجها الأوّلية في منتصف شباط. إذا كان هناك زعيم يمكن أن ينقل حماس إلى توجه أكثر راديكالية فسيكون هو السنوار، البالغ من العمر 55 عامًا، والمقاتل في الجناح العسكري لحماس 'كتائب القسام'، والذي أمضى أكثر من 20 سنة في السجن لتنسيقه هجمات ضد إسرائيل. وقد تم إطلاق سراحه عام 2011 ضمن أكثر من ألف سجين فلسطيني خلال عملية تبادل الأسرى لاسترجاع جلعاد شاليط، أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي الذي أسرته حماس.
وبعد أشهر من إطلاق سراحه، صعد السنوار بسرعة داخل حركة حماس، ووصل إلى موقع تمثيل الجناح العسكري لحماس في المجلس التنفيذي عام 2012. وبشخصيته المتعنِّتة، احتج على شروط عملية تبادل الأسرى التي أدت لتحريره باعتبارها شروطًا تصالحية، كما يقال إنه قتل عدة جنود من حماس بتهمة التعاون مع إسرائيل. سيشغل السنوار موقع إسماعيل هنية كزعيم حركة حماس في غزة، ومن المرجَّح أن ينصِّب هنية خالد مشعل كمسؤول عن حركة حماس ككل.
انقسمت حماس منذ سنوات إلى مجموعة من مراكز القوى، وقد تفاقم الانقسام بين الجناح السياسي والجناح العسكري بسبب الفجوة بين القيادات في غزة والقيادات في الخارج. لقد كان الجناح السياسي لحماس متصدرًا بشكل مستمر في السابق، ولكن في السنوات الأخيرة أصبحت كتائب القسام وبشكل متزايد تدير نفسها بنفسها من دون موافقة الجناح السياسي.
فعلى سبيل المثال، عندما أسر أعضاء من الجناح العسكري ثلاثة مستوطنين إسرائيليين عام 2014، نفى مشعل في البداية علاقة حماس بذلك قبل أن يعترف بأنه لم يكن يعلم ببساطة عن عملية الأسر. قد يُشير صعود السنوار إلى أن هيمنة الجناح العسكري على الجناح السياسي قد بات أمرًا وشيكًا.
سيعزز انتخاب السنوار إمكانية حدوث معركة أخرى بين حماس وإسرائيل. تعتبر النخب العسكرية الإسرائيلية أنّ سكان غزة لا يرغبون بدخول موجة جديدة من العنف، ولكن هذا يعني لا أن حماس لا تفكر بإحداث أزمة جديدة. فقد عملت الحركة على تجديد أسلحتها، إلى درجة صيانة ما تضرر منها قبل عدوان 2014 الذي شنته إسرائيل، كما أنها تسيطر اليوم على 15 نفقًا أرضيًا يصل إلى إسرائيل. لقد كان السنوار الممثل السابق للجناح العسكري في المجلس التنفيذي، أي سكرتير الدفاع للحركة، هو المسؤول عن هذه الخطوات.
لقد أدّى صعود العالول والسنوار إلى لحظة تقترب من الاشتعال. تقع كل من فتح وحماس في مناطق مجهولة، وذلك بفضل صعود الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة والآفاق غير الواضحة لإمكانية حدوث اتفاقيات سلام مثمرة. وقد بات عباس اليوم محصورًا بدائرة ضيقة، حيث أصبحت حكومته الدبلوماسية عرضة للنقد بشأن توجهاتها نحو تحقيق السلام، وذلك من قِبَل أعضاء فتح الحقودين ونخب حماس مثل محمود الزهار الذي وصف عبَّاس مؤخرًا بـ'الخائن' ولامه على 'تضييع وقت الفلسطينيين ومساعدة الإسرائيليين على توسيع مستوطناتهم'.
مع غياب أفق دبلوماسي في الضفة الغربية أو تحسينات إنسانية في غزة، فلن تتوانى فتح وحماس عن التضحية، فقد يبدأ أعضاءها الأكثر عنفًا بتقديم بدائلهم الخاصة.