بدأت تطفو على السطح تحذيرات وتنبيهات من إقدام اسرائيل على شنّ حربٍ جديدةٍ ضدّ حماس في القطاع، ولكن بالمُقابل، نقل كبير المُحللين في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، ناحوم بارنيع، عن مصادر سياسيّة وصفها بأنّها رفيعة المُستوى في تل أبيب قولها، إنّه في حال اندلاع مواجهةٍ عسكريّةٍ جديدةٍ بين إسرائيل وحماس، وطبعًا باقي الفصائل الفلسطينيّة، فإنّ حماس قادرة اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى على دكّ العمق الإسرائيليّ بالصواريخ، بما في ذلك مطار بن غوريون الدوليّ وشلّه تمامًا عن الحركة، بحسب قول المصادر.
بالإضافة إلى ذلك، شدّدّ المُحلل على أنّ ما كان في عملية “الجرف الصامد” هو ما سيكون في المُواجهة القادمة في حال اندلاعها، أيْ أنّ إسرائيل لن تتمكّن من حسم المعركة وإسقاط حكم حماس، كما كان يُطالب وزير الجيش الحاليّ، أفيغدور ليبرمان، عندما كان في المعارضة.
وهناك عامل آخر، برأي المُحللين الإسرائيليين، قد يؤدّي لتعجيل المُواجهة القادمة، وهو يكمن في انتخاب يحيى السنوار قائدًا لحماس في قطاع غزّة. الصحافة الإسرائيليّة اعتبرت أنّ انتخاب السنوار ولّد مخاوف جدية لدى مستوطني غلاف غزة، الذين يعتقدون أنّ المواجهة مع حماس باتت قريبةً بعد انتخابه، وظهرت صورة السنوار كخلفية للبرامج الإخباريّة التي غطّت القصف الأخير على غزة، تأكيدًا على أنّه التوتر التصعيديّ الأوّل في ظلّ قيادة السنوار لقطاع غزة.
علاوة على ذلك، الصحافة الإسرائيليّة تكاد تمتلئ بما يثير الانطباع من أنّ تأثير السنوار على المواجهة القادمة سيكون قويًا، حيث ستكون الحرب المقبلة أكثر ضراوةً من سابقتها، كونه يكنّ عداءً كبيرًا لإسرائيل. وأكّد آخرون أنّه يثق بالحرب ضدّ إسرائيل وليس بالهدوء، ولا يرى أنّ هناك وقت مناسب لمواجهة عسكرية، فرؤيته هي مواجهة عسكرية مستمرة، بما يثير الانطباع عنه كشخصية خطيرة وغير متوقعة، على حدّ تعبيرهم.
وثمة من يعتبر أنّ انتخابه سوف يعرقل أيّ توجهٍ لإبرام هدنة في القطاع والتوصل إلى اتفاق طويل الأمد مع إسرائيل، خاصّةً في ظلّ إمكانية انتخاب إسماعيل هنية زعيمًا للحركة، ممّا قد يتطلب منه الإقامة بالخارج، ما يعني إبقاء القطاع بين يدي القادة العسكريين لحماس، واصفين إياه بالعنيد، لأنّه يتحدث عن الحرب الأبدية ضدّ تل أبيب، ومنوهين إلى أنّ بصمته ستظهر واضحة في التخطيط ومضاعفة قدرة الذراع العسكرية لحماس “كتائب القسام” في المعركة القادمة من أجل تحقيق مفاجأة إستراتيجيّة، كأنْ تكون عملية كبيرة أوْ احتلال مناطق في محيط غلاف غزة.
وفيما استبعد بعضهم صفقة تبادل للأسرى جديدة قريبًا مع حماس في وجود السنوار، معللّين ذلك بأنّه خرج من السجن ولديه تعهد لمن تبقى من الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيليّة بالإفراج عنهم جميعًا في الصفقة القادمة، إلّا أنّهم توقعوا جازمين أنّ منصبه الجديد سيزيد محاولات خطف الجنود الإسرائيليين لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، ما سيقود إلى تدهورٍ أمنيٍّ ينتهي بمواجهةٍ مباشرةٍ مع إسرائيل.
في السياق ذاته أشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، اليوم الجمعة، إلى أن "الكثير من المزيج القابل للانفجار الذي جرّ إسرائيل وحماس إلى الحرب في أشهر صيف العام 2014، والذي تم استعراضه بالتفصيل في تقرير مراقب الدولة حول عملية الجرف الصامد العسكرية، عادت لتحوم في الأجواء مع اقتراب ربيع 2017"..
وكتب هرئيل أن المصاعب اليومية في القطاع هي بمثابة "قنبلة موقوتة"، من شأنها أن "تدفع حكم حماس إلى اصطدام جديد مع إسرائيل"، وشدد على أنه "لن يكون بإمكان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزرائه الادعاء في المستقبل إنهم لم يعلموا بذلك". وأضاف أن إسرائيل تعرف جيدا تقرير الأمم المتحدة، الذي قال إنه في العام 2020 سيتحول قطاع غزة إلى مكان غير مناسب لسكن الإنسان فيه.
وأضاف هرئيل أن مقترحات مشابهة بحثتها السلطات الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة، ولكن من دون تقدم باتجاه تنفيذها. وتمسك نتنياهو في هذه المداولات بمعادلة "نزع السلاح مقابل الإعمار"، أي أن تنزع فصائل المقاومة سلاحها بنفسها. وأكد المحلل على أن "لا أحد في جهاز الأمن يؤمن بأن هذا الأمر ممكن".
ووفقا لهرئيل، فإن الحكومة الإسرائيلية رفضت اقتراح وزير المواصلات، يسرائيل كاتس، بإقامة ميناء لغزة في جزيرة اصطناعية، كما رفضت اقتراحا بنشر أفراد شرطة من السلطة الفلسطينية في معابر غزة الحدودية. "نتنياهو يتخوف من ذلك، كما أن السلطة وحماس ليسا متحمسين له". وأضاف المحلل أنه "في ظروف كهذه يوجد احتمال أن غزة تسير نحو انفجار آخر".
وتابع هرئيل أن إسرائيل تأمل بمنع حرب جديدة لسببين، الأول هو التخوف في غزة من حرب كهذه بسبب الدمار الهائل وعدد القتلى الكبير الذين سقطوا في الحرب عام 2014، والسبب الثاني هو ما وصفه المحلل بتغيير سياسة مصر تجاه القطاع، في إشارة إلى حدوث تقارب بين مصر وحماس.
لكن هرئيل ادعى أن "هناك تطورات تزيد من مخاطر الحرب، وأهمها نابع من فوز يحيى السنوار، رئيس الذراع العسكري، بمنصب زعيم حماس في غزة". ويبدو أن هذا التقييم يضعه هرئيل بتأثير من أجهزة الأمن الإسرائيلية، التي تصف السنوار بأنه "صارم ومتطرف جدا". وبناء على ذلك، فإنه "في ظل أزمة (في القطاع) قد يحاول قيادة حركته إلى مواجهة عسكرية أخرى" من أجل اختراق الحصار على غزة وإرغام إسرائيل بواسطة ضغوط دولية على الموافقة على سيطرة حماس على المعابر.
وبحسب هذا المحلل فإن محاولات إسرائيل لتدمير الأنفاق قد تدفع حماس إلى المبادرة لحرب من أجل استغلال الأنفاق الهجومية قبل أن تكتشفها إسرائيل وتدمرها. وأضاف أن نشاط التنظيمات السلفية المتطرفة في القطاع قد يؤثر باتجاه اندلاع حرب أخرى. وأشار إلى أنه في حال سقط قتلى في إسرائيل جراء إطلاق هذه التنظيمات صواريخ، فإن إسرائيل قد تشن هجمات شديدة تؤدي إلى تفجر الوضع.