الفكرة الأساسية هي أن الاعتراف بإسرائيل أو بالأحرى اعتراف النظام العربي الرسمي ومنظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل قد سحب البساط من تحتهم أي العرب والفلسطينيين بشأن احتلال الأخيرة للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس, وأصبح بفضل اتفاقات ومعاهدات السلام الموقعة مع اسرائيل من غير الواقعي أو المنطقي دولياً وخاصة غربياً وصف اسرائيل كدولة محتلة أو دولة معتدية أو مغتصبة للحقوق والأراضي العربية والفلسطينية, خاصة عند القول بأنكم أنتم العرب تعترفون بإسرائيل وبشرعية وجودها ومفاوضات السلام مازالت جارية معها ومنكم من يقيم معها علاقات دبلوماسية علنية وآخر يقيم علاقات بعيداً عن الأضواء, وفي ذات الوقت تعتبرونها دولة احتلال, أو كونها دولة محتلة, وهذا يضفي نوع من الغموض أو بالأحرى عدم وضوح الطرح السياسي العربي, ويبلور التعارض في التفكير والرؤى السياسية العربية, فإسرائيل اتخذت من القدس عاصمة لها وتصرح جهارا نهارا منذ ما يربو عن خمسة وأربعين عاماً بأن القدس الموحدة (الشرقية والغربية) عاصمة أبدية لها وتُجري بها سياسة التهويد في كافة النواحي والمجالات, فلماذا وعلى أية أسس اعترف العرب والفلسطينيين بإسرائيل طالما استمر احتلالها للقدس والأرض العربية, ولماذا لم يكن الشرط المسبق للاعتراف المتبادل بين اسرائيل والمنظمة عام 1993م هو انسحاب اسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967م بما فيها القدس, أو حتى اشتراط عودة القدس تحت الإدارة الدولية كما نص قرار التقسيم رقم 181 عام 1947م والذي منح الدولة اليهودية 56.47% من مساحة فلسطين, والتي لم تكتفي اسرائيل بها وتوسع احتلالها للأراضي العربية بعد حرب عام 1948م, فاحتلت أراضي النقب والجليل زيادة على ما خصصه لها قرار التقسيم, وأيضاً شنت حربها على مصر عام 1956م ضمن ما سمي بالعدوان الثلاثي والذي تمحور الهدف الإسرائيلي منه بالتوسع والاستيلاء على المزيد من الأرض العربية لتوسع حدودها وتزيد بها عمقها الاستراتيجي, وبعد الضغوط الدولية وخاصة الروسية انسحبت من تلك الأراضي, الا أنها عاودت احتلالها للأرض العربية عشية حرب حزيران 1967م, فاحتلت أراضي عربية من كافة الجبهات, وعشية اتفاق أوسلو بين منظمة
التحرير الفلسطينية واسرائيل عام 1993م قدم الفلسطينيين الاعتراف الجوهري والأساسي بكون حقهم التاريخي يتمثل في الأرض التي جرى احتلالها عام 1967م, أي بما يعادل 22% فقط من مساحة فلسطين التاريخية, وهذا الحق ما يزال يخضع لعملية المفاوضات المتعثرة والتي تراوح مكانها في أفضل أحوالها.
فمفاوضات السلام التي بدأت بعقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م مضى عليها ربع قرن دون نتائج حيوية أو ايجابية ملموسة في تحقيق الفلسطينيين لحقهم في تقرير المصير واقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس, وعندما تقوم الادارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب برفع شعار نقل السفارة الأمريكية للقدس, يتوجب على الدول العربية والاسلامية التلويح بسحب الاعتراف بإسرائيل والتهديد به بشكل رسمي وعلني في كافة المحافل الدولية كما لمح بعض المسؤولين بالسلطة بالفلسطينية مؤخراً, وقد يلي ذلك بُشرى خير يُقدم عليها العرب والفلسطينيين بخطوة سياسية فاعلة الى الأمام تُغير مجرى المسار السياسي ويبتعدون بها عن موقع المفعول به, ليُمسكون هم أيضاً بزمام المبادرة والفعل السياسي ليصبح لهم مكاناً بين الأمم وقيمة على الحلبة الدولية في حدث يمس قلب عقيدتهم وعروبتهم, فالسياسة لا تعرف الجمود كونها تسير في عالم متحرك, والتغيير المطلوب الآن يتمثل بتقويم الاعوجاج القائم في الحالة الفلسطينية والعربية وتعديله بسحب الاعتراف بدولة الاحتلال, طالما استمرت اسرائيل بسياستها القائمة على التهويد والاستيطان والإحلال ومحاولات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى, وطالما استمرت دواليب وطواحين المفاوضات تطحن الهواء لسنوات عديدة دون نتائج ملموسة سوى تكريس الاحتلال والاستيطان الصهيوني على الأرض العربية الفلسطينية.


