يبدو أنّ الشهيد يحيى عياش، ما زال يقُضّ مضاجع الإسرائيليين، قيادةً وشعبًا، على الرغم من مرور 21 عامًا على اغتياله. فقد أغلقت في الفترة الأخيرة شركة فيسبوك 200 حسابًا لمستخدمين فلسطينيين، بعد “اتهّامهم” تمجيد مسؤول الشهيد، يحيى عياش، المُلقّب بـ “المهندس″، والذي كان مناضلاً وقياديًا فلسطينيًا، ومن أبرز قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكريّ لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) حتى اغتياله من قبل جهاز الأمن الداخليّ الإسرائيليّ (الشاباك)، في الخامس من كانون الثاني (يناير) عام 1996، وكان في الثلاثين من عمره.
وأفاد موقع (المصدر) الإسرائيليّ، المُقرّب من وزارة الخارجيّة في تل أبيب، أنّ الشهيد كان مسؤولاً عن قتل وجرح عشرات الإسرائيليين في عملياتٍ خطط لها، مُشدّدًا على أنّ إدارة (فيسبوك) قامت بحذف المنشورات التي “مجدّته” بتهمة التحريض.
ومن الجدير بالذكر أنّه منذ وقت، تدير جهات إسرائيلية مسؤولة جهودًا مكثفةً ضدّ نشر مواد “تحريضية” في مواقع التواصل الاجتماعيّ، وبواسطة وسائل قانونية وقضائية أيضًا.
وكشفت وزيرة القضاء الإسرائيليّة، أييلت شاكيد، من حزب “البيت اليهوديّ” اليمينيّ-المُتطرّف النقاب مؤخرًا عن أنّه تمت الموافقة على 71 بالمائة من بين نحو 1.755 طلبًا قدّمتها إسرائيل لإزالة نشرات تحريضية في الإنترنت بشكلٍ كاملٍ، على حدّ قول المصادر الإسرائيليّة الرسميّة والرفيعة.
علاوة على ذلك، قام وزير الأمن الداخليّ، جغلعاد أردان، والوزيرة شاكيد بتقديم مشروع قانون حول التحريض في الشبكة العنكبوتيّة. ووفق مشروع القانون، فإنّه بوسع المحكمة الإسرائيليّة إصدار أمر إلى الفيس بوك، تويتر أوْ غوغل، لإزالة محتويات تحريضية من المواقع المذكورة في ظروف معيّنة. جديرٌ بالذكر أنّه تمّت المصادقة على مشروع القانون في القراءة الأولى في الكنيست في بداية الشهر الجاري.
في المقابل، تعمل منظمة “شورات هدين” (المركز الإسرائيليّ للقضاء)، وهي منظمّة يمينيّة إسرائيليّة، تعمل قانونيًا ضدّ منظمات تُصنفها بالإرهابية وضدّ شبكات التواصل الاجتماعيّ التي لا تحظر نشاط هذه المنظمات، ودفع أهدافها قدمًا. ولفت موقع (المصدر) إلى أنّه قبل بضعة شهور، قدّمت المنظمة دعوى بمبلغ مليار دولار ضد الفيس بوك. وجاء في الادعاء أنّ سياسية عدم الاكتراث التي تبديها الفيس بوك حيّال منظمات “إرهابية” تستخدم الفيس بوك لنشر رسائلها، تؤدي إلى تأثيرات مُدمّرة، ومن بينها عمليات إرهابية أيضًا، بحسب تعبيرها.
إلى ذلك، وفي هجوم غير مسبوق وخارج عن اللياقة السياسيّة، اتهم وزير الأمن الداخليّ الإسرائيليّ، غلعاد أردان صفحات الفيسبوك بأنّها منصة للتحريض على الإرهاب، ليس هذا فحسب، بل وفي هجومه السافر على مؤسس الموقع، مارك زوكربيرغ، قال أردان إنّ دم ضحايا الإرهاب يلطخ أيدي زوكيربيرغ، وكان هذا التصريح إيذانًا لحملةٍ إرهابيّةٍ عنيفةٍ واسعة النطاق ضدّ موقع التواصل الاجتماعيّ المعروف باسم “فيسبوك”، شملت مجالات قانونية وتشريعية ودعاوية وشعبية وإعلامية على كلّ المستويات الرسمية والشعبية من داخل إسرائيل، ومن أصدقائها في الخارج: يهود ومنظمات ومؤسسات متعاطفة معهم.
كما استغلّت تل أبيب في حملتها هذه ما تقوم به “داعش” من نشر لفكرها وتحريضها عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، في محاولة من إسرائيل لتجنيد أوسع جبهة عالمية ضد ما يسمي “التحريض على الإرهاب” بغضّ النظر عن كونه إرهابًا أوْ مقاومة وعن دوافعه وعن أهدافه وعن طبيعة المستهدفين.
ومن الأهميّة بمكان الإشارة إلى أنّ الحملة الإسرائيليّة ضدّ الـ”محرضين” وضدّ الـ”تحريض” في الفضاء الإعلاميّ، سواء كان عبر التلفزيون أوْ وسائل الإعلام المختلفة، بما فيها أو في مقدمتها الفيسبوك، انطلقت مع بدايات الهبة الشعبية في أيلول (سبتمبر) من العام 2015، وتزعمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شخصيًا، عندما اتهم رئيس السلطة الفلسطينيّة، محمود عبّاس والتلفزيون الفلسطينيّ والمنهاج التعليميّ الفلسطينيّ بالتحريض.
ومن جهةٍ أخرى فإنّ إسرائيل التي تُدير ماكينة قوية جدًا ضدّ ما تُسّميه بالتحريض عبر منصة الفيسبوك تتجاهل التحريض الإسرائيليّ عبر نفس المنصة وكيف يستخدمها الإسرائيليون للتحريض على قتل الفلسطينيين وعلى التنكيل بهم وعلى كراهيتهم ونبذهم، بما في ذلك بعض ما يكتبه نتنياهو شخصيًا أو ليبرمان ووزيرة التربية ميري ريغيف، أوْ الحاخام العسكريّ الأكبر للجيش ايال كريّم، الذي تمّ تعيينه مؤخرًا، وكان قد أصدر فتاوى عنصريّة وفتوى ضدّ النساء.
هذه الضغوط بدأت تؤثر على إدارة الشبكة، وباتت إسرائيل وشكاويها تتميّز بأنّها تحظى باهتمامٍ كبيرٍ من قبل إدارة الموقع. وبحسب التقارير الإعلاميّة العبريّة فق زار مدراء كبار في الشركة إسرائيل أكثر من مرّةٍ في الأشهر الأخيرة، واجتمعوا مع وزير الأمن ومع جهات أمنية إسرائيليّة، ويعتبر الإسرائيليون الأكثر معرفة في استخدام منصة الشكاوى التي يتيحها الموقع، وهم الأكثر استخدامًا لها فيما يتعلق بالتحريض الفلسطينيّ، وحيث ثمة عمل منظم كبير يقف خلف ذلك تديره مؤسسات مدنية. كما اجتمع نتنياهو مؤخرًا في نيويورك بمؤسس (فيسبوك)، اليهوديّ-الأمريكيّ مارك زوكيربيرغ.