المُتتبع للشأن الإسرائيليّ لاحظ بعد عملية القدس أمس، أنّ عاملين اثنين جديدين برزا وبقوّةٍ وفرضا نفسيهما على الأجندة: الأول، تشديد الإعلام العبريّ على هروب عشرات الضباط والجنود من مكان العملية. “الهروب من موقع العملية كان مُربكًا ومُخجلاً”، هكذا بالحرف الواحد كتب محلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) الإسرائيليّ، عاموس هارئيل.
أمّا العامل الثاني الجديد، فكان اتهّام رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه تنظيم “الدولة الإسلاميّة” بالمسؤولية عن تنفيذ العمليّة، ربمّا لاستدرار عطف وتأييد العالم الغربيّ، الذي تعرّض ويتعرّض لأعمالٍ إرهابيّةٍ من قبل التنظيم المذكور، ووضع الدولة العبريّة سويةً مع الدول الغربيّة التي ذاقت الأمرّين من إرهاب “داعش”.
فيما يتعلّق بالعامل الثاني،ومسارعة نتنياهو لاتهام داعش فلم يكن أمام نتنياهو، بدّ من ردّ عملية الدهس في القدس إلى تنظيم “داعش”، سواءً أكان منفذ العملية داعشيًا أمْ غير ذلك.
علاوة على ذلك، فإنّ اتهام حركة “حماس″ أوْ فصائل فلسطينيّة أخرى، وأيضًا اتهامات باتجاه خارج فلسطين، قد يستلزم منه ردًا لا يريد تحمل تبعاته، الأمر الذي دفعه إلى اتهام “الدولة الإسلامية” كما سمّاها، وتظهير إسرائيل كضحية إلى جانب الدول الغربيّة، التي تُعاني هي الأخرى جرّاء “الإرهاب الإسلاميّ”، في محاولةٍ مستمرّةٍ لوضع أيّ عملٍ مقاومٍ ضمن هذا السياق.
التصريح الأوّل صدر عن نتنياهو، الذي سارع أمس إلى زيارة موقع تنفيذ عملية الدهس، برفقة وزير الجيش أفيغدور ليبرمان، أكّد فيه على أنّ جميع الدلائل تشير إلى أنّ منفذ الهجوم مؤيّد لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ، رابطًا العملية وأهدافها بالعمليات التي نفذت في أوروبا على يد “الإرهاب الإسلاميّ”، وأخرها عملية برلين. وأضاف نتنياهو قائلاً: أعتقد أنّ هناك سلسلة من الهجمات، قد تكون هناك علاقة في ما بينها، وقعت في فرنسا وبرلين، والآن في القدس، ونحن سنحارب هذه الآفة وسنتغلب عليها، على حدّ قوله.
وتابع نتنياهو: نعرف هوية المهاجم، ووفقًا لجميع المؤشرات، فإنّه مؤيد للدولة الإسلاميّة. لقد فرضنا حصارًا على جبل المكبر، الحي الذي انطلق منه (المنفذ)، ونقوم بأنشطة أخرى. لن أدلي
اما فيما يتعلّق بالهروب، شدّدّت المصادر الإسرائيليّة، على أنّ التحقيقات الأوليّة تؤكّد وقوع ذلك، نافيةً نفيًا قاطعًا أنّ الجنود والضباط توانوا عن إطلاق النار باتجاه منفذ العملية خوفًا من محاكمتهم، كما جرى مع الجنديّ إلئور عزاريا، الذي قتل فلسطينيًا بدّمٍ باردٍ في الخليل، وأدانته محكمة عسكريّة إسرائيليّة بالقتل غير العمد.
ولفتت المصادر عينها، إلى أنّ شبكات التواصل الاجتماعيّ، قامت بنشر شريط الفيديو الذي وثّق العملية، وأظهر عجز وضعف الجنود والضباط الإسرائيليين، مُشدّدةً على أنّ الأجهزة الأمنيّة في تل أبيب تخشى من انتقال “عدوى” العملية لفلسطينيين آخرين، وأنْ تتحوّل العملية إلى نموذجٍ يحتذي به المُنفذّين المُفترضين. وكان لافتًا اضطرار الجيش الإسرائيليّ التوضيح رسميًا عبر الناطق بلسانه أنّه سيُحقق في الأسباب التي دفعت الجنود إلى الفرار مع أسلحتهم، وخاصّةً أنّ مَنْ تصدّى للمنفذ كان مدنيًا يحمل سلاحًا فرديًا.
من ناحيته قال الكاتب اليميني الدكتور حاييم شاين، أبرز المعلقين في صحيفة “يسرائيل هيوم”، المقربة من نتنياهو، إن صور الجنود والضباط وهم يفرون من ساحة العملية “صدمته وإن هذه المناظر ستظل عالقة في الوعي الجمعي الفلسطيني كصورة انتصار”.
وفي مقال نشرته الصحيفة في عددها الصادر اليوم أضاف شاين أن مثل هذه الصور لا تسهم في مراكمة الردع في مواجهة “أعدائنا القتلة”، متوقعا أن تسهم صورة الجنود الفارين في زيادة الدافعية لتنفيذ المزيد من العمليات.
وأضاف: “أكتب هذه السطور وقلبي يقطر دما، فكمقاتل وكضابط احتياط أصيب بإعاقة خلال خدمته العسكرية أشعر بالخجل لما شاهدته عيناي”.
الصحافية عميرا هاس من صحيفة (هآرتس)، أكّدت في مقالٍ نشرته اليوم الاثنين على أنّ الردع الإسرائيليّ لم يردع منفذ العملية، الذي كان يعرف بأنّ بيته سيُهدم، وعائلته ستُشرّد، وستُفرض عقوبات جماعيّة على القرية التي انطلق منها. كما لفتت إلى أنّه كان على علمٍ بأنّ إسرائيل ستحتجز جثثه، وهي خطوة مهينة ومُذلّة بحدّ ذاتها. وشدّدّت على أنّه بالرغم من معرفته الكاملة بالعقوبات الشخصيّة والجماعيّة فقد أقدم على تنفيذ العمليّة، الأمر الذي يؤكّد تأكيدًا قاطعًا بأنّ الردع الإسرائيليّ ظهر بكلّ عجزه، على حدّ وصفها.
وأردفت هاس قائلةً إنّ الإدعاءات الإسرائيليّة التي تُساق لتبرير عدم اتسّاع العمليات وتحولها لانتفاضةٍ شعبيّةٍ لا تمُت إلى الواقع بصلةٍ، لافتةً إلى أنّ النضوج السياسيّ للجمهور الفلسطينيّ هو السبب في ذلك، لأنّ هذا الجمهور يعرف أنّ الواقع التعيس الذي يعيش فيه يُحتّم اندلاع الانتفاضة، ولكنّه ينتظر اللحظة المواتيّة لبدء الانتفاضة، على حدّ تعبيرها.
الى ذلك قال الوزير يوآف غالانط، وهو جنرال متقاعد وعضو المجلس الوزاريّ الأمنيّ والسياسيّ المُصغّر (الكابينيت)، قال لموقع صحيفة (يديعوت أحرونوت) على الإنترنيت، إنّه اقترح خلال جلسة الكابينيت، التي عُقدت بعد ساعاتٍ من عملية الدهس، طرد عائلة المنفذ إلى سوريّة، وهدم بيته ومنع مخصصات التأمين الوطنيّ من كلّ فلسطينيّ يتورّط في الإرهاب، على حدّ قوله. وتابع أنّه بصدد مشروع قانون يُتيح لوزير الداخليّة تنفيذ عملية الطرد مباشرةً بعد العملية، بحسب قوله.