مع نهاية عام 2016، قدم معهد أبحاث الأمن القومي "الإسرائيلي"، الذي يترأسه عاموس يدلين، رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) الأسبق، تقدير المعهد السنوي للوضع الاستراتيجي الأمني والسياسي لإسرائيل لرئيس الدولة رؤوفين ريفلين.
ورغم التغير الذي طرأ على البيئة السياسية والأمنية، وحتى الاقتصادية، المحيطة بإسرائيل؛ إلا ان توصية يدلين الرئيسة لمتخذي القرار في إسرائيل لم تتغير عمّا كانت عليه في عام 2015 "أن تستثمر قوة إسرائيل العسكرية والاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى مكانتها الآخذة بالازدياد في المنطقة، كأساس لمبادرة هدفها تحسين مكانة إسرائيل السياسية، والدفع بنشاط سياسي يهدف لتحقيق ترتيبات وتفاهمات سياسية مع الفلسطينيين ومع الدول السنية في المنطقة".
وقد وصل يدلين لهذا بعد موازنةٍ بين العوامل ذات التأثير الإيجابي على البيئة الاستراتيجية لإسرائيل وبين العوامل ذات التأثير السلبي عليها، وحسب تقديرات يدلين فإن العوامل الإيجابية بقيت على حالها ولم تتغير عن العام المنصرم؛ فإسرائيل بقيت الأقوى عسكريًا في المنطقة، والتهديد العسكري المباشر عليها تراجع بدرجة كبيرة، بالإضافة إلى ان إسرائيل نجحت في منع أي مواجهات وحروب واسعة النطاق، وخاصة على ضوء الضعف المتواصل للتهديد القادم من الدول العربية المجاورة. أما بخصوص الاتفاق النووي الإيراني مع الدول العظمى، فيرى يدلين ان هذا الاتفاق لم يضر بإسرائيل حتى الآن، بل انه أجّل تحقيق إيران لمشروعها النووي، وبذلك مُنحت إسرائيل فرصة (10 - 15) عام من الهدوء من أجل التخطيط، والعمل على التعاطي مع المخاطر بعيدة المدى لهذا الاتفاق، ما لم تحدث أمور دراماتيكية تغير المشهد الحالي.
واعتبر التقرير أن الصراع داخل العالم العربي، سواء الصراع السني - الشيعي أو الصراع ضد "داعش" أو ضد الاخوان المسلمين، خلق مساحة هامة من المصالح المشتركة بين إسرائيل والعالم العربي السني.
ويختم يدلين العوامل الإيجابية على بيئة الأمن القومي الإسرائيلي بعامل اقتصادي متمثل بالتطورات الإيجابية لسوق الطاقة، والحديث عن آبار الغاز الإسرائيلي، الذي من المتوقع منها تحسين الوضع الاقتصادي الإسرائيلي، والأهم إمكانية مساهمتها في تحسين علاقة إسرائيل مع دول أخرى في الإقليم.
وفي الجهة المقابلة في المشهد، هناك ظواهر استراتيجية متواصلة تضر بالمصالح الإسرائيلية، والتي اعتبر التقرير أهمها تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وانحسار دورها واهتزاز صورتها لدى دول المنطقة، بسبب رؤية الرئيس أوباما السياسية للشرق الأوسط، ويتنبأ التقرير بعدم حدوث تغير حقيقي على هذه السياسات في عهد الرئيس الجديد ترامب، وفي ذات السياق يأتي التدخل العسكري الروسي في سوريا ليعزز قوة كل من إيران وحزب الله، الذي يمكن ان يحد من حرية قدرة اليد الطولى للردع الإسرائيلي في المنطقة.
ومع استمرار الجمود في العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، المتزامن مع اليأس المتزايد داخل الساحة الفلسطينية، وما يرافقه من "تحريض" حسب لغة التقرير؛ هذا الجمود مع عناصر أخرى أدت إلى استمرار تدهور العلاقات بين إسرائيل وأوروبا.
الجديد الذي يتطرق إليه المعهد لأول مرة في تقاريره هو التهديدات الداخلية، والتي اعتبرها يدلين تهديدًا حقيقيًا على الأمن القومي الإسرائيلي، والتي تقف في مقدمتها تراجع القاعدة الشعبية الأساسية لدعم وشرعية مؤسسة الجيش الإسرائيلي، وما يتبعها من تحريض مباشر ضد قيادته وضباطه، والتي وصلت إلى نسب غير مسبوقة لهذا العام.
وبعد تحليل البيئة الاستراتيجية، يتبع التقرير ذلك بجملة من التوصيات التي تشكّل بكليتها استراتيجية أمنية وسياسية تمكّن إسرائيل من الوقوف بنجاح أمام تحديات أمنها القومي، وعلى رأس سلم جملة هذه التوصيات تعزيز العلاقات الاستراتيجية والثقة المتبادلة مع الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب، ويربط ذلك بإمكانية إسرائيل لبناء قدراتها لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي.
على الصعيد الفلسطيني، يوصي يدلين بتقديم مبادرات مستقلة إسرائيلية لدفع عملية السلام، للوقوف أمام حملة نزع الشرعية عن إسرائيل في الساحة الدولية، لافتًا النظر لأهمية ساحة القوة الناعمة في معترك العلاقات الدولية وتحسين مكانة إسرائيل مع دول الإقليم، وفي الجانب العسكري يطالب يدلين بالإعداد العسكري لمواجهة واسعة النطاق مع حزب الله وغزة.
أما على الصعيد الشرق أوسطي، يوصي التقرير إسرائيل باتخاذ استراتيجية تضعف محور "إيران - سوريا - حزب الله"، بالإضافة لتحسين علاقات إسرائيل مع الدول العربية السنية.
وعلى صعيد الداخل الإسرائيلي، فالمطالبة هي فتح حوار ونقاش قومي (سياسي واجتماعي) على تعريف هوية دولة كدولة يهودية ديموقراطية، والاتفاق على قواعد اللعبة السياسية لمنع الاستقطاب السياسي والاجتماعي الحاد داخل إسرائيل.
وفي الختام، صانع سياسات الأمن القومي - حسب التقرير - مطالبٌ بصنع التوازن الفعّال بين متطلبات التكتيك والاستراتيجية، وبذل الجهد الفعال بين تجاذبات البيئة الاستراتيجية الإيجابية والسلبية على الصعيد الداخل الإسرائيلي والخارج، وبهذا الخصوص يثير يدلين تساؤلًا كبيرًا مصحوبًا بشكوك حقيقية لديه: هل يستفيد متخذو القرار في إسرائيل استراتيجيًا بشكل صحيح من الوضع الإيجابي للبيئة الاستراتيجية الإسرائيلية على المدى القصير والمتوسط من أجل بناء القدرات للوقوف أمام التحديات الأكثر خطورة على المدى البعيد؟