يوماً بعد يوم، يتضاءل أمل تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، في ظل توتر آخذ في الازدياد بين أنقرة وحلفائها الأوروبيين على خلفية شرط من شروط إعادة إطلاق المفاوضات وهو قانون الإرهاب التركي المثير للجدل والذي يرى فيه الاتحاد الأوروبي تهديدا وانتهاكاً للحريات، مطالباً الحكومة التركية بمراجعته، وهو ما رفضته الأخيرة.
ويجزم مسؤولون أوروبيون كبار بأن أنقرة لا تحترم معايير الانضمام المتعلقة بقيم الحريات وحقوق الإنسان.
وعمقت حملة التطهير الواسعة التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ منتصف تموز(يوليو) على اثر محاولة الانقلاب الفاشلة، الشروخ في العلاقات الأوروبية التركية.
كما نسف إردوغان كل آمال تسريع محادثات الانضمام للاتحاد الأوروبي من خلال حملة الاعتقالات الواسعة بحق الصحفيين وإغلاقه لعشرات وسائل الإعلام المعارضة بتهم ارتباطها بخصمه فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة والذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشل.
وبناء على ما سبق يبدو انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مهددا أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع تصاعد التوتر الدبلوماسي بين الجانبين، وإذا كان الطرفان يتجهان إلى الطلاق فإن أيا منهما يرفض تحمل مسؤولية هذا الأمر.
وبعد تأخير متكرر لهذه العملية التي بدأت في 2005، لوح إردوغان بإجراء استفتاء حول الملف يتيح لشعبه اتخاذ القرار في ما يبدو وسيلة ضغط على الاتحاد الأوروبي، علما بأن الأخير يرفض القطيعة مع تركيا التي باتت شريكا أساسيا في التصدي للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وفق اتفاق وقع بين الجانبين في اذار(مارس).
من جهتها، انتقدت بروكسل في تقريرها المرحلي الأخير في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) "عودة إلى الوراء" لتركيا على صعيد معايير الانضمام إلى الكتلة الأوروبية خصوصا في ما يتصل بحرية التعبير ودولة القانون منذ محاولة الانقلاب الفاشل.
ورغم أن مسؤولين في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد يعبرون علنا عن رفضهم انضمام تركيا مستندين إلى ما ترتكبه من انتهاكات لحقوق الإنسان، الأمر الذي أدخلهم في "حرب كلامية" مع نظرائهم الأتراك، فإن بروكسل تواصل الدعوة رسميا إلى مواصلة المفاوضات.
ويعتبر ايكان اردمير من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية التي مقرها في واشنطن أن ثمة "ترددا لدى بروكسل في تعليق عملية انضمام تركيا".
وأضاف أن هذه العملية "ينظر إليها بوصفها إحدى آخر الرافعات التي يملكها الاتحاد الأوروبي لكبح سلطة إردوغان التعسفية".
وأعرب الاتحاد الأوروبي عن المزيد من القلق على حقوق الإنسان في تركيا منذ محاولة الانقلاب وحملة التطهير الواسعة النطاق التي أعقبتها وشملت كل مفاصل الدولة إضافة إلى وسائل الإعلام وأحزاب المعارضة.
ويرى روي كرداك أستاذ العلوم السياسية في جامعة بريمن في ألمانيا أن الحجم الذي بلغته هذه الحملة "يعني في الوقائع، نهاية عملية انضمام تركيا".
وقال "يصعب قول ذلك في اللغة الدبلوماسية، لكن أي مسؤول أوروبي لا يمكنه أن يؤيد في شكل صادق انضمام تركيا".
لكن ذلك لا يمنع قادة دول الاتحاد، باستثناء النمسا من أن يواصلوا في تصريحاتهم الدعوة إلى استمرار المفاوضات مع أنقرة.
وفي هذا السياق، اعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني الاثنين أن "من الأهمية بمكان أن تظل قنوات التواصل مفتوحة مع بلد شريك ومرشح للانضمام". وفي الجانب التركي، أكد المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين مؤخرا في مقال نشر في صحيفة "دايلي صباح" أن الانضمام إلى الكتلة الأوروبية "هدف استراتيجي" بالنسبة إلى أنقرة وانه ينبغي تسريع المفاوضات وليس وقفها.
ووقعت بروكسل وأنقرة في آذار (مارس) اتفاقا ينص على مساعدة بقيمة ستة مليارات يورو وفتح فصول جديدة في عملية الانضمام، على أن تتعهد تركيا باحتواء تدفق المهاجرين إلى أوروبا بعدما وصل إليها أكثر من مليون لاجئ العام الفائت.
وتنتظر أنقرة أيضا إعفاء مواطنيها من تأشيرة دخول دول الاتحاد بموجب الاتفاق المذكور.
واعتبر سونر كغبتاي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن التصريحات العلنية للاتحاد الأوروبي في شأن عملية الانضمام لا تعكس هاجس الحفاظ على اتفاق الهجرة.
وأضاف أنه إذا بادر إردوغان إلى قطيعة مع الاتحاد فسيقوم بذلك مع علمه بأن الأخير "سيعود إليه جاثيا على ركبتيه أو يكاد، حين يتحول بحر ايجه مجددا مساحة عبور للاجئين".
وأكد كغبتاي أنه من دون تعاون إردوغان فإن "القارة الأوروبية قد يغرقها اللاجئون".
ورغم طغيان الخطاب التركي الناري حيال الاتحاد الأوروبي في الأشهر الأخيرة، فإن ارتباط أنقرة الاقتصادي بالاتحاد قد يدفعها إلى التخفيف من حدة مواقفها.
وأوضح انطوني سكينر محلل الإخطار السياسية في مكتب فيريسك مابلكروفت أنه في وقت يشهد النمو الاقتصادي التركي تباطؤا كبيرا، فان توقف المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي "قد يشكل ضربة قاسية للتجارة مع أوروبا وللاستثمارات الأجنبية المباشرة التي مصدرها" أوروبا.
ولاحظ ايكان اردمير الذي مقره في واشنطن أن "الرئيس التركي قد يكون خطيبا شعبويا، لكنه ذكي بما يكفي ليعلم أن 85 بالمائة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا مصدرها الغرب".