مشكلة ايران وكل دول عالم الجنوب هي أن النظام العالمي يضع نفسه كذات، ويتخذ الآخرين موضوعا له، ومن بينهم ايران وكذلك نحن، فالنظام العالمي- سواء أخذناه ببعده الحضاري الثقافي، أم ببعده السياسي الاقتصادي - يتعامل معنا لا بوصفنا شريكا، بل بوصفنا موضوعا.
هذه حقيقة يجب أن نعيها جيداً كمثقفين، وبالتالي يجب أن نحدد موقعنا نحن عند معالجة الوضع العالمي: هل نعالجه من موقع (الباحث) المحايد، أم موقع الطرف الموضوع موضوعا لهذا النظام؟ .
إن أي موضوع، يتأثر بالموقع الذي يضع فيه الباحث نفسه. فإذا كنا سنضع أنفسنا في الموضع الذي يضعنا فيه هذا النظام، أي كموضوع له، فنحن مضطرون للتعامل معه كخصم، وبالتالي فالتفكير في أي نظام محلي جديد لابد أن ينطلق من اتخاذ النظام العالمي القائم أو الذي يقوم الآن في نفس السياق أي بوصفه خصما لنا، طرفا يخاصمنا لأنه لا يعترف بنا كذوات، لا يريد أن يتعامل معنا علي أساس توازن المصالح، بل يصر على التعامل معنا علي أساس علاقة السيد والعبد، وهنا الجديد في الاتفاق النووي ان النظام العالمي أجبر على ان يتعامل مع ايران كند وليس مجرد موضوع تابع له.
إذن ايران وبدون ادنى شك كانت مضطرة، وهذا قدرها، وواجبها، بأن تتعامل مع النظام العالمي القائم من موقع حقنا المشروع في أن نكون أسياداً، أي طرفا له الحق في أن يتعامل معه الآخر على أساس الاعتماد المتبادل المبني علي توازن المصالح.
لقد عبرت ايران أكثر من مرة بعد الثورة الاسلامية الخمينية العظيمة عن رفضها لهذا المفهوم وهذه المعادلة في العلاقات الدولية كان اخرها ما قاله احمدي نجاد الرئيس السابق لايران " إن النظام العالمي ظالم وغير عادل، وقد وصل إلى نهايته" .
إن التأرجح الشديد الذي يطبع تفكير وتصرفات النظام العالمي تجاه منطقتنا وشعوبها، ما بين تطلعاته الكونية كمبشرة للحرية والمساواة، وطبيعته الاستعمارية القديمة - الجديدة - إنما تعكس بجلاء حجم المصاعب والتحديات التي تواجه أي جهد فكري وسياسي جاد، يسعى للمساهمة في بلورة أسس موضوعية لإقامة حوار بناء حول مستقبل أمثل لعلاقات أكثر عدالة بين دول الشرق الأوسط أو دول عالم الجنوب عموماً من جهة، والنظام العالمي من جهة اخرى.
إن النظام العالمي أو المركزية الاستعمارية الغربية لديها نزعة لا تقاوم نحو التوسع والعالمية، ويستحيل وقفها، وما جرى في الاتفاق النووي من تراجع استراتيجي وتحول نوعي وتاريخي للقوى الغربية، عادة يحدث في أعقاب حروب أو أزمات دولية كاشفة لطبيعة القوى الدافعة في اتجاه التغيير ليأخذ النظام العالمي بعدها شكلا مختلفا، تحدده موازين القوى الجديدة .
لذلك ليس من باب المبالغة وصف الرئيس السوري ماجرى "بانه نقطة تحول كبرى في تاريخ إيران والمنطقة والعالم، واعترافاً من النظام العالمي يضمن لايران الحفاظ على الحقوق الوطنية ويؤكد سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية واستقلال قرارها السياسي".
كما ليس من المبالغة ان تجمع الاسرائيليتان، اسرائيل الامريكية من جهة، واسرائيل الشرق أوسطية من جهة أخرى، على رفض الاتفاق جملة وتفصيلاً، ومحاربته بشكل معلن، ادراكاً منهم ان ايران التي تقف على النقيض الكامل من الظاهرة الاسرائيلية، اصبحت دولة طبيعية، لا دولة مارقة، ولا محور شر، بل ظاهرة طبيعية معادية تنمو وتكبر على حساب الظاهرة الاسرائيلية.


