في خطوة مفاجئة ولكنها متوقعة سياسيا ومنطقيا وواقعيا ابدى راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الاسلامية التي تقود الحكومة في تونس استعداده امس لتقديم مزيد من التنازلات للمعارضة العلمانية لانهاء الازمة السياسية في البلاد حيث اكد ان حزبه مستعد لاستفتاء شعبي اذا اصر المحتجون على التظاهر ضد الاسلاميين.
وبالامس ومن على منصة رابعة العدوية وبالتحديد الساعة الثانية بعد منتصف الليل فجر احد الشباب المنضمين الى الميدان حديثا والذي بدا من شكله ومضمونه انه من غير ابناء تيارات الاسلام السياسي قنبلة عندما طالب الاخوان المسلمين بمصر بمراجعة اخطائهم واستيعاب الجميع وعدم اقصائهم وزاد في قوله بان ما حدث للجماعة كان بما صنعته ايديهم مستشهدا بالاية القرانية "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ".
والمثير للدهشة وللانطباع ان حديث هذ الشاب قوبل بتصفيق حاد غير مسبوق من جمهور رابعة العدوية وكانه يختصر مكنونات مرحلة كاملة فجر تفاصيلها في عقر دار الجماعة وفي ميدانها وامام جمهورها ليعطي دلالة واصحة على ضرورات واحقيات المراجعة والرؤيا لدى "اخوان مصر" وسياسييها ومفكريها ودعاتها .
فروقات كبيرة وواضحة بين تصريحات ورؤية الغنوشي المفكر والسياسي والشيخ اخيرا امام هدير المظاهرات الحالية بتونس المطالبة باسقاط النهضة والدعوة الى انتخابات مسبقة وبين رفض جماعة "الاخوان المسلمين" للمقترحات التي قدمها وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي للرئيس المعزول مرسي قبل اشهر واسابيع وايام قبل وبعد مظاهرات 30 يونيو.
المحللون والمراقبون يجمعون على ان الغنوشي ابدى ثقة هائلة مرتين الاولى عندما تنازل عن الوزارات السيادية لشركائه في الائتلاف قبل شهور والان عبر تهديده للمعارضة بالاستفتاء في خطوة يستبق فيها حتى مجرد تفكير الاخرين وحتى لا يظهر وكانه تملى عليه شروط في توليفة فهم سياسي مبدع يدل على عمق التجربة السياسية التونسية ووعيها رغم تشابه الظروف في مصر وتونس من حيث قمع الحركات الاسلامية ما قبل ربيعهما الناشئ.
لم يضير الغنوشي شيئا عندما اتت النهضة برئيس علماني هو السيد المنصف المرزوقي والذي اصبح يدافع عن النهضة في كل زمان ومكان بينما اصر "الاخوان المسلمون" في مصر على ممارسة الانتحار عبر ترشيح احد اعضائهم لمنصب الرئاسة في مهمة انتحارية غير معقولة وتدل على اكثر من سذاجة سياسية غير مفهومة رغم كل النصائح العلنية والسرية التي ابلغوا بها.
ويجدر هنا التذكير بان مجلس شورى الاخوان اقر الترشح للانتخابات الرئاسية المصرية بفارق عضوين وكان على راس المعارضين السيد عصام العريان والرئيس المعزول مرسي نفسه.
ولا يضيرنا هنا التنويه الى ان احد قادة الحركات الفلسطينية والمشهود له بالقراءة الجيدة والعميقة للتطورات الاقليمية والدولية نصح الاخوان في امرين لا بد من ذكرهما الان وهما "عدم الترشح للرئاسة لان المرحلة الانتقالية خطيرة ومعقدة ولن يستطيع الاخوان ولا غيرهم القيام بها والنصيحة الثانية كانت بعدم استخدام شعار "الاسلام هو الحل" في حملاتهم الانتخابية لان المخزون الجمعي للذكرة الشعبية سيتساءل بحدية بعد شهور "اذا كان الاسلام هو الحل فتفضلوا حلوا مشاكلنا" وبالطبع اسقاطات الاجابة على الواقع المعقد وعدم القدرة على الاتيان بحلول ستسئ للفكرة الاسلامية وتطلعات الشعوب الى النظام الاسلامي كحل بديل للتجارب القومية والاشتراكية في عصور الاستقلال الوطنية العربية.
التصرفات والممارسات السياسية السيريالية غير المفهومة التي قادها الرئيس المعزول مرسي فيما يتعلق بالعلاقات الدولية اقليميا ودوليا اثارت الكثير من الدهشة والاستغراب والرعب احيانا في دلالات واضحة على عدم فهم مؤسسة الرئاسة والجماعة لما يحدث والحديث عن تفاصيل تلك المرحلة يحتاج الى مجلدات وساعات طوال من النقاش والتفسير والفهم وغير الفهم ما جعل مؤسسة الرئاسة محل سخرية ونقد متواصل من المحبين قبل المبغضين والكارهين.
الجميع يتذكر موقف الاخوان المسلمين من حزب الله وكيف وصفه بيان للجماعة في استرضاء لموقف اتحاد علماء المسلمين المنعقد في القاهرة في حينه قبل اسبوع من عزل مرسي بحزب الشيطان وضرورة وقف عملياته في سوريا وموقف الرئاسة المرتبك من ايران والذي توج في الموقف الذي اعلنه مرسي بقطع العلاقات مع دمشق في المهرجان الشهير في الصالة المغلقة والذي تم فيه تكفير النظام والتحريض على الشيعة وما تبع ذلك التحريض من قتل لخمسة منهم وسحلهم في احدى قرى الدلتا المصرية وسط تهليل وتكبير القنوات الدينية السلفية .
وللتذكير بان التناقض الكبير في موقف مرسي اتضح قبل اسبوع من مؤتمر سوريا حيث عرض مجددا المبادرة المصرية والتي تشدد على ضرورة الحوار وان الحل في سوريا سياسي بامتياز... "كيف يمكن الحديث عن مبادرة سياسية مصرية وتقطع العلاقات مع احد اطرافها؟؟..
ولكن المفزع حقا هو ما قاله احد القادة السلفيين في الاجتماع المذكور بان الرئيس مرسي اخبره بان الشيعة الروافض اخطر على الدعوة من اسرائيل والحديث يدور هنا عن "250 مليون مسلم شيعي" ويتم خلال المهرجان المذكور الهجوم على كل شئ "سوريا ..ايران..حزب الله ..الخليج " ما عدا اسرائيل فيما يصمت الرئيس امام كل هذا ولم تخرج مؤسسته حتى لتنفي شئ مما قيل على لسانه احد مشايخ السلفية حتى بعد انتهاء المهرجان وليخرج البرادعي في اليوم التالي ليقول بان رئيسا مصريا يكفر مئات الملايين من المسلمين لا يمكن له ان يستمر في منصبه".
ولا نريد هنا تسطيح الامور واخراجها من سياقها الاقليمي والدولي ومصالح الدول ورؤيتها لفكرة الاسلام السياسي وتقاطعاته الاممية ولكن من باب التذكير ايضا يدخل ما صرح به نائب رئيس حزب الحرية والعدالة عصام العريان لقناة الجزيرة في 25 يونيو الماضي عندما حذر الاماراتيين من انهم سيصبحون عبيدا للايرانيين الفرس حال عدم دعم مصر وجعلها قوية.
انه هنا "السيد العريان" وبضربة واحدة وغير مفهومة يقرر الاساءة للاثنين معا فلا هو كسب ايران ولا جعل الاماراتيين يقعون في حبه عبر تخويفهم من استعباد ايران لهم ..
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة بعيدا عن نظرية المؤامرة التي تحاك ضد الاسلام السياسي والمشروع الحضاري والامة الواعدة الناهضة وبعيدا عن الخوض في تفاصيل التجربة ويومياتها وهل ما قام به العسكر في مصر شرعي وهل 30 يونيو ثورة ام فورة عابرة ..السؤال المركزي الكبير هو ..هل ما قام به الجنرال السيسي من عزل للرئيس مرسي في المنظور الاستراتيجي كان في خدمة الاخوان والفكرة الاسلامية وتطبيقاتها ام لا؟؟
هل كان استمرار الاخوان في حكم مصر رغم اليقين الكامل بطيبة وطهارة ونقاء رئيسها لسنوات ثلاث قادمة وبنفس الطريقة كانت ستؤدي لخدمة المشروع الاسلامي العالمي؟؟.
اسئلة عديدة تحتاج اجابة متأنية واعية بعيدا على ردود افعال الحدث القائم.
والله الموفق