خبر : سؤال .؟.. هديل ابو مريم

الإثنين 14 مارس 2011 04:55 م / بتوقيت القدس +2GMT
سؤال .؟.. هديل ابو مريم



  أرتشفك مع قهوتي وأتنفسك مع هوائي الملون باللون الرمادي..أنقشك في ذاكرتي الدائمةكنقش أوراق الزيتون في أرض أجدادي..وأحاول أن أتفهم ما يجول بخاطركلكني لا أرى فيك إلا كل ماهو بعيد عن غايتي ومرادي..لا أريد أن أصطنعك لنفسي,لا أريد أن أتركك لغيريأريدك قلمي ومدادي..أريدك ضعفي وانكساريأريدك كبريائي وعنفوانيأريدك أنا بكل تناقضاتي وأضدادي..أريدك الآن أسير هوايلا تقل لي انتهى ذلك العصرفأنا لا أعترف بالعصور ولا التاريخهجريا كان أم ميلادي..أعترف بقدر جمع قلبينا ولن يفرقهما غيرههما قلبان لا يفهمان لغة العشرات والآحاد..تتهامس الطيور المهاجرة فيما بينها..ذات صيف سنعود إلى أرض الميعاد..والله لولا جليد القلوب ما هاجر طير ولا تبخرت الدموع حرقة على فلذات الأكباد..حدثني طفل ناعس العين..عن رحلته وسط الجثث المتحركةوتلبس أبهى حلة..لم أجد فيها مكانا للقلوب أو حتى بين بين..لم أجد سوى مكانا للحناجر والعضلات وبقايا ممتدة من يدين..اتركيني أنام فالتنقيب أعياني , أضنانيولم يتركني أغمض هاتين العينين..سألني : هل تعتقدين بأني سأجد ما أبحث عنه؟؟أطرقت رأسي آسفة.. محمرة الخدينفأنا أعرف عما يبحث هو عنهلكني أترك لكم.. الإجابةهل تعتقدون أن الإحساس يولد في غابة..؟!                                                            أماه اعذريني ...أماه... لرضاك أسعى وأحبوجاثية على ركبتي أنحني لك وحدك انحناء قمرفي منتصف السماء..يا من ذبت وأذبتنا في وهج حنانك ودفئك اللامحدودكزمزم أجدهما فيك لا ينضبان ولا يتلوثان...كمداد لآلاف القصص والروايات أجدهما فيك...كأمواج البحر المتعانقة إلى الأبد يسكنان فيك...يا من كظمت غيظك وترفعت عن صغائر القوم...لا أجد فيك إلا كنزا ممتدا إلى أعماق أعماقي...أعلم أني لست أرضا خصبة مثلك تماما...فاعذريني...يا من عجزت الجبال أن تحتمل ما احتملت...مثل تلك الجبال أنا..يا من اتخذك النبراس نبراسا له...يا من تجذرت في تجذر الزيتون في أرضه...اعذريني...يا من تحديت الكون خلقا وخلقا...يا من أسكت عن القول والاعتراض والامتعاض...لكن أنا لن استطيع...مهما حاولوا لن أستطيع أن أكررك أماه...لن أستطيع أن أكون تلك المستقلةفكرا وعقلا وقلبا...وأكون أنت...أنت تلك الحمامة المسالمة الحالمة حلما ربما لن يتحقق( حلم أن يفهمك من حولك بأن استكانتك ومسالمتك ليسا ضعفا أو هزيمةأو عجزا)نعم.. نعم.. والله أفهم أماهأن الاستكانة والمسالمة ليسا صفتان تهزان كيان صاحبتهما إلى هذه الدرجةلكن.... في هذا المجتمع الذكوري الأحمق..تسحقانها وتجعلان منها دقيقا ينثر في الريح...أماه... اعذرينيلن أستطيع أن أكررك استسلاما وإذعانا واستكانة...فاعذريني أماه...              إليك أمي ....على جبهتك كتبت كل معاني الحريةوعلى وجنتيك طبعت قبلات كل مغتربيك في الكرة الأرضية...وعلى ذقنك وشم آه ما أجمله قد ألغى كل معاني الحب القبلية...أما شفتاك...   تلك الشفاه الوردية...التي لا تنطق إلا غزلا ولا تتحدث إلا تاريخا بأكمله...حاجباك ينتصبان كسيفين يذودان عني إذا اقترب منيشعاع شمس أو أية نظرة ثاقبة...عيناك ليست بالليال الصيفية ولا بالليال القمرية...عيناك ليل بلا آخر  يا دنيا بلا آخر...جدائلك تروي مسافر ظمآن في صحارى القلوب البربرية...وحول جيدك تلتف عصور منذ خلق البشرية...ساعداك سمراوان أتقنا حملي في طفولتي واحتضناني حتى ترعرعت وصرت صبية...يقولون: الجنة تحت قدميكفأقول أنت الجنة.. والجنة تقول لبيك وسعديك...يقولون : ليتنا خيط يلوح في ذيل ثوبكفاقول : ليتني نسمة باردة تلاطف ثوبك وقطرات الندى على جبينك...الطهر أنت يا أمي...والحب والدفء فيك يمتزجانفينبعثان عطرا نرجسيا ليرحل في هذه الدنياكل الدنيا ويعود ليقبل كفيك...صوتك العذب يروي شغف حنيني ويؤرجحني.. ويكويني بنار لا أطيقهاإذا ما فكرت بالابتعاد عن حدقات عينيك...ليت شعري كيف أحيا بدون لمسات كفيكوهمسات شفتيك...إليك أمي   انتظار .... على شطآن بحور عينيك انتظر يا بحر بلا مرسى...أنتظر من سيخطفني لأترك خلفي كل أسى...ملتفة بكوفيتي السمراء أو الحمراء...لا يهمني..فكلها عندي كوفيات تتماثل حينما يغزونا بظلامه المسا..وأفترش الأرض وألتحف السما...وأنتظر...كم أكره الانتظار لكني مجبرة عليه...فلا أحد يختار أمه وأبيه أو حتى..وطنه الذي يأويه...ولا أحد يعي قيمته سوى من جربه...فالأسير يدرك أن لكل ليل فجره...تماما كما أدرك أنا أن لكل منتظرمحطة تنتظره...يرتاح فيها من عناء سفره وترحاله وانتظاره...أصوغ ذاكرتي من جديد كما أصوغ أبياتي...وأتسلح بكل ما يعطي المرء عزيمة وقوة...وأتجنب كل ما يوسع أي فجوة وهوة...وأراقب الشمس محمرة تنسحب وراء الأفق على وجل...أغمض عيناي وأنسج المزيد من أحلام ربما لن تحقق..وأنسج أحلاما محكمة الخيوط كحكايات شهرزاد...ففي رحلة الانتظار هذه...ستكون لي هي الملح والزاد...وأنتظر...قد أنتظر عودة من لا يريد العودة..لكني كصخرة شماء لا تنتظر من مسافر عبر سبيلها, أية مودة..   عصر السرعة .... ولقد مررت على طرقات لطالما احتضنت خطواتي...فأوجعت وآلمت ذاكرتي...وكنت آنذاك أمتشق صهوة زمان خال من الآهات...مقبلة على الحياة بكل ما أملك من ابتسامات وضحكات...متشابكة أناملي وأنامل الكثير من الصديقات...وفجأة رحلت تلك اللحظات واختفت وما تركت لي سوى بقايا لمسات... من أياد اعتقدت أنها ستتشبث بي وأتشبث بهاوإن طالت السنوات وابتعدت المسافات...من قرأن لي فنجاني كن كثيرات...وقد تشابهن في التحليلات والتفصيلات...لكنهن تماثلن في قولهن...يا ابنتي أخفضي سقف التوقعات...واجعليها قريبة من هذه الرؤوس المطأطئات...وارفعي هذا السقف لك أنت ومن أجل أن تسمين به..إن شئت إلى أعلى سموات...لعمري يا ابنتي من زمن ولم نعهد لك مثيلات...فيا ليتني أستطيع السفر عبر الزمن و لو لقليل من السنوات...عائدة إلى تلك الجميزة( المتجذرة في تماما كما تجذرت في ارضها) لأتسلق عليها ولو لدقائق معدودات...وأهرب من سياط الكلمات...كي لا أترنح على نغمات قلبي وما يصاحبه من أنين  وأنات...وأسترتسل في التفكير مبتعدة عن الوجوه الحقيقيات...لأني لا زلت أذكر نفسي...كيف كنت افكر بوجوه لا تلبس إلا أقنعة من الابتسامات الزائفات...وأقطب حاجبي لدى ذوبانها عندما تظهر النوايا المبطنات...كم طرحت على نفسي الكثير من التساؤلات؟؟!!لكني وجدت الآن أكثر ما يقنع من الإجابات:إنه عصر التسارع والسرعات...