تُعتبر القناة الـ 14 في التلفزيون العبريّ الأكثر تطرفًا وعنصريّةً وتحريضًا على الناطقين بالضاد، وهي القناة الناطقة بلسان رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وحكومته الفاشيّة، وعلاوةً على ذلك، فإنّ نتنياهو الذي يرفض التحدّث للإعلام العبريّ، يُوافِق بين الفينة والأخرى إجراء “مقابلاتٍ” (!) مع هذه القناة، التي تتمتّع بدعمٍ حكوميٍّ ماديٍّ وسياسيٍّ.
ولذا كان لافتًا للغاية ما قاله شوقي أبو نصيرة زعيم ميليشيا في خانيونس في مقابلةٍ مع القناة 14 العبرية، إنّ “العلاقة بيننا وبين الإسرائيليين علاقة قوية وصداقة حميمة وسنعيش معهم بقية العمر في أمنٍ وسلامٍ وهم يمدوننا بالسلاح والطعام واللبس وننسق معهم أمنيًا لأبعد مدى”، طبقًا لأقواله.
وحول السؤال: هل يخشى مع الانتقال إلى المرحلة التالية من خطة ترامب، أنْ تسحب إسرائيل والولايات المتحدة أيديهما وتتركاه وحيدًا؟ فأجاب: “لا أعتقد ذلك. ترامب والإسرائيليون أشخاص إنسانيون وصادقون، ومن المؤكد أنهم سيدعموننا.” يُشار إلى أنّ اللقاء معه جرى باللغة العربيّة، وتمّت ترجمته للعبريّة.
وفي ذات السياق، قال الباحث في الشأن الأمنيّ والعسكريّ رامي أبو زبيدة إنّ حديث شوقي أبو نصيرة على القناة الـ 14 بالتلفزيون العبريّ ليس مجرد تصريح إعلامي عابر، بل اعتراف صريح وموثق بالخيانة والتنسيق الأمني مع الاحتلال في ذروة العدوان على شعبه، معتبرًا أن وصف العلاقة مع الاحتلال بـ “الأخوية” و”الحميمة” يعكس سقوطًا أخلاقيًا كاملًا، وانفصالًا تامًا عن معاناة الفلسطينيين، لا سيما في غزة التي تُحاصر وتُجوّع وتُقصف، وفق ما قاله لموقع (شبكة الصحافة الفلسطينيّة).
وأضاف أبو زبيدة أنّ الأخطر في هذه التصريحات لا يقتصر على الإقرار بتلقي السلاح والدعم اللوجستي من الاحتلال، بل يتعداه إلى محاولة شرعنة العمالة وتقديمها كنموذج لـ “الأمن والسلام”، في وقت تُستخدم فيه مثل هذه المليشيات كأدوات لضرب الجبهة الداخلية وتفكيك المجتمع من الداخل، وتنفيذ ما عجز عنه الاحتلال بالقوة العسكرية المباشرة.
وتابع أنّ هذه التصريحات تفضح حقيقة المشروع الذي يمثله شوقي أبو نصيرة ومن على شاكلته، مؤكدًا أنّه ليس مشروع “وطن حر”، بل وظيفة أمنية رخيصة في خدمة الاحتلال، تُلبس ثوب الوطنية زورًا، وتعمل على تسويق الخيانة باعتبارها خيارًا سياسيًا، على حدّ تعبيره.
وشدّدّ أبو زبيدة على أنّ التاريخ الفلسطينيّ واضح في هذا السياق، إذ إنّ كلّ مَنْ راهن على الاحتلال خسر، وكلّ مَنْ تواطأ معه سقط أخلاقيًا وشعبيًا، مهما وفرّ له من سلاحٍ أوْ حمايةٍ مؤقتةٍ.
وللتأكيد على عنصرية القناة الـ 14 نقتبس فيما يلي ما كتبه المحلل في صحيفة (هآرتس) العبريّة، روغل ألفر، عن نشرة الأخبار المسائيّة ليلة أمس الثلاثاء بهذه القناة: “دفع مشهد معاناة سكان غزة من الفيضانات، الإعلامية دانا فارون، إلى التلاعب بالدعوة إلى الإبادة الجماعية على الهواء مباشرةً. كان الجو احتفاليًا ومبهجًا. في أسفل الشاشة، ظهر عنوان رئيسي كبير: “غزة حماس”، وتحته، بخط أصغر، كُتب: “العرب في قطاع غزة دعموا أحداث 10/7، والآن يُعاقبون بفيضانات الأمطار”.
وتابع: “بالفعل، “عرب”، وليس فلسطينيين، وجميعهم، حتى آخرهم، من حماس. لا يوجد بينهم بريء واحد. لا يوجد شخص صالح واحد في غزة بأكملها. هذا بيان إخباري واقعي”.
ومضى قائلاً: “في الوقت نفسه، يُقدَّم العقاب على أنّه عملٌ منطقيٌّ للعدالة ضمن إطار نظامٍ كونيٍّ جديدٍ، المجتمع الإسرائيليّ، من خلال حكومته وجيشه، يُعاقب “العرب” في غزة، لأنّهم جميعًا من حماس. عقابٌ إلهيٌّ، أشبه بفيضان العصر الحديث”، طبقًا لأقواله.
ولفت المُحلِّل في سياق تقريره إلى أنّ الإعلاميّة الصهيونيّة فارون أكّدت أنّها “لا ترغب في تسميتهم فلسطينيين، لأنّهم “شعب مُختلق”، من المهم الإشارة إلى أنّ رفضها تسميتهم فلسطينيين يُعدّ نوعًا من “الإبادة الجماعية”، بين قوسين، إبادة جماعية رمزية. إنّها تُدمر هويتهم الوطنية بوسائل لفظيةٍ، ولكن ماذا عن وجودهم المادي؟ كيف يتم، عمليًا، هدم وجودهم المادي في غزة وتفكيكه وتدميره؟، لم تُعطِ جوابًا”، على حدّ تعبيره.


