خبر : معنى الصمت../ عن ازدواجية الاخلاق (موقف اوباما من ليبيا)../معاريف

الخميس 24 فبراير 2011 11:32 ص / بتوقيت القدس +2GMT
معنى الصمت../ عن ازدواجية الاخلاق (موقف اوباما من ليبيا)../معاريف



1. الصمت عندما تهدد الجمهورية الفرنسية. بالكاد بينما معظم العالم يصمت، الامم المتحدة الجميلة تهمس "هذا لا يحتمل"، فان الولايات المتحدة منحرجة والصين لا تأبه حقا، نهضت فرنسا وقررت القيام بفعل ما. التردد الاخلاقي، عدم القدرة على فعل الامر الصحيح والفراغ الزعامي القاتم هذا ليس أمرا تحتمله فرنسا. أما اوباما، مدفديف، بان كي مون، دافيد كمرون فلا يعرفون كيف يتصرفون مع القذافي؟ رئيس الجمهورية يعرف. ردا على تهديدات القذافي بقتل وذبح المتظاهرين وكرد مباشر على تقتيل الالاف في طرابلس والمدن المحيطة بها، اوصى ساركوزي بان يفرض عقوبات على ليبيا. ليس أقل. عقوبات، بل ربما شديدة. يبدو ان القذافي بالغ هذه المرة.  العقابات هي حتى أكثر تشددا من التحذير الذي خرج من القدس، ولها شركاء كثيرون في العالم المتنور والمفعم بالمبادىء وتعابير الاخلاق السامية – بموجبه الاحداث في أرجاء العالم العربي تخلق "عدم استقرار".  يتبين أن الاستقرار هو قيمة أهم من الحرية، التحرر، الديمقراطية، النزاهة، الاستقامة، حياة الانسان. مفهوم أن "الاستقرار" هو مفهوم نسبي، يسمح باستخدامه بمرونة ثقافية واخلاقية كبيرة.  سقوط الاتحاد السوفييتي وتفتت الكتلة السوفييتية استقبلا بفرح كبير مثل خروج سوريا من لبنان أيضا. في الحالتين كان الوضع الراهن أكثر استقرارا. كما يمكن التقدير بانه اذا اندلعت اضطرابات تهدد الحكم في ايران فلن يتحدثوا عن "الاستقرار"، بل عن عدم الاستقرار الذي خلقه النظام الذي يوشك على السقوط. بتعبير آخر، هذا الاستقرار هو مفهوم سياسي – بنيوي يجب دعمه وحمايته لانه مورد نفط ومال.  روندا، الصومال وكوسفوا لم تخلق مصادر كان الغرب المدمن بحاجة لها مثل النفط. ولهذا كان التدخل الدولي هناك على اساس منع الجريمة، العمل الانساني والفعل الاخلاقي.  2. المصالح من لا يمكن التضحية به ومع ذلك فضلا عن الازدواجية الاخلاقية البنوية في سلوك الدول التي تحركها مصالح سياسية واقتصادية – تجارية، يطرح السؤال لماذا لا توجد مبادرة حقيقية لتدخل عسكري في ليبيا لانقاذ الالاف من الموت؟ يوجد لهذا عدة اجابات، كلها جزئية، كلها غير مرضية حقا وفيها كلها علة اخلاقية.  أولا، الانتفاضة هي داخلية مثلما حصل في تونس، مصر والبحرين. التداخل من شأنه أن يخلق الانطباع بان محاولة الانقلاب كانت منذ البداية ثمرة خطة ومؤامرة خارجية. ينبغي الانتظار.  ثانيا، موجة الانتفاضات في العالم العربي ليس منسجمة. مبارك كان يمكن التضحية به، أما الاسرة المالكة السعودية لا (حاليا). في أماكن معينة توجد مصالح أوسع، وتوجد سياسة مختلفة. من يبحث عن فجوة "ازدواجية الاخلاق الكبرى" فليقارن بين مصر والبحرين، وليس بين مصر وليبيا. البحرين أهم بكثير بسبب موقعها الجغرافي في الوسط بين ايران والسعودية ولانه يرسو هناك الاسطول الامريكي الخامس.  ثالثا، القذافي وإن كان يقتل الناس بالمئات وبالالاف، ولكن يوجد بعد كمي، مهما كان بشعا تفسيره. فلم يقتل بعد ما يكفي. 600 قتيل، 2.600 قتيل و 7.600 قتيل لا يبررون في نظر الغرب التدخل. هناك حاجة لمشاهد رواندا او قصص كوسفوا كي ينهض العالم من مربضه.  رابعا، آليات العمل قائمة: مجلس الامن في الامم المتحدة، الناتو، منظمة الوحدة الافريقية او الولايات المتحدة وحدها بدعم من تحالف موضعي مع الاتحاد الاوروبي. المشكلة مع الاليات هي تعقيداتها، الحاجة الى الاجماع وبطء الانتقال من النقاش الى القرار للتنفيذ.  3. المليارات من يخاف من برميل النفط اقتصاديا، ليبيا كيفت نفسها مع تعريف "استقرار". ليبيا تنتج مليون ونصف برميل من النفط كل يوم. بسعر متوسط بمقدار 80 دولار للبرميل تقريبا، فان الحديث يدور عن 120 مليون دولار في اليوم، او 43.8 مليار دولار في السنة. هذا بالطبع حساب لتغرض التجسيد، وذلك لان السعر المتوسط ليس له معنى في اسواق النفط الدولية. الصور والتقارير من يوم أمس والخطاب الحماسي للقذافي أول أمس رفعت سعر برميل النفط الخام للتوريد المستقبلي الى مائة دولار، المرة الاولى منذ نهاية 2008 حين يصل السعر فيه الى مائة دولار. عدم اليقين الذي يمكن لليبيا أن تصدره شرقا حتى الخليج من شأنه، حسب عدة توقعات، ان يرفع السعر الى اكثر من 150 دولار في الفترة القريبة القادمة. النفط أدخل المال والمال تدفق الى جملة مشاريع في البنى التحتية، البناء وتعظيم الثورة الفاخرة للقذافي. وكان المقاولون شركان خاصة بدعم سياسي: فرنسا، ايطاليا، بريطانيا، فنزويلا. "ومع ذلك، فهو الزعيم العالمي الاقدم. لا يمكن الا يؤخذ هذا بالحسبان"، علل وشرح الرئيس الفرنسي ساركوزي في مقابلة في السنة الماضية، بعد أن وجهت اليه انتقادات على الاستضافة التظاهرية والاحتفالية للقذافي في باريس في كانون الاول 2009. زعيم قديم، قال ساركوزي ولم تختنق عبرته. عندما استولى القذافي على الحكم في ليبيا، كان ريتشارد نكسون رئيسا جديدا وقبل شهر من ذلك وطأ نيل ارمسترونغ أرض القمر، وفي ذات السنة أجرى الخنافس معزوفتهم الاخيرة، في وودستوك احتشد الرفاق على الارضية الخضراء للغناء وروني كلدرون لعب في هبوعيل تل ابيب. محق ساركوزي، كان ينبغي منح القذافي شرف القدامى. ومع ذلك، جزيرة من الاستقرار.  4. العلامة التجارية مستشارو التسويق من امريكا قيد العمل بعد أن أخذ المسؤولية عن تفجير طائرة بان ام 103 فوق لوكربي، اسكتلندا 1988، اصبح القذافي شرعيا. عندما تنازل عن محزونات السلاح غير التقليدي عقدت معه الولايات المتحدة حلفا مريحا اعد على عجل ووزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس زارته في العام 2008  ورأت عن كثب انجازات الثورة. وفي دول اخرى اشترت النفط وقدمت خدمات البناء، شق الطرق والانشاء بالمليارات كانت حاجة ايضا الى بناء صورة جديدة وايجابية للقذافي، غير كونه البطل الذي يلبس أحلى الملابس في الشرق الاوسط. التسويق أخذته على نفسها شركة استشارات سياسية، اعلانية وترويجية أمريكية تدعى "مونيترغروب" من بوسطن. لقاء 3 مليون دولار في السنة، حسب الموقع السياسي الامريكي الهام "بوليتيكو"، عملت "مونيترغروب" على تجنيد خبراء "مستقلين وموضوعيين" ليعرضوا ليبيا وملك الملوك القذافي في ضوء ايجابي أكثر يستحقه بالطبع.  احد اولئك الذين عالجوا هذا الحساب كان ريتشارد برل، مثقف محافظ وخبير سياسة دفاع شغل منصب رئيس "لجنة سياسة الامن" لدى الرئيس جورج دبليو بوش. كما ترأس برل في التسعينيات مجموعة من المحافظين الجدد بلورت السياسة بالنسبة للعراق – كاعداد لامكانية انتخاب رئيس جمهوري ليرث بيل كلينتون. واوصت المجموعة بسياسة نشطة لدفع التحول الديمقراطي في العراق الى الامام، الاعتماد على محافل المعارضة وحذرت من كميات السلاح للدمار الشامل الذي طوره وجمعه صدام حسين. وللعمل مع ليبيا وصل بالتالي برل وهو يحمل معلومات واسعة وفهم عميق للشرق الاوسط والعالم العربي كما ثبت ويثبت حتى اليوم في العراق. ما هو أقل وضوحا هو لماذا كان صدام حسين دكتاتورا وحشيا ومتوحشا يجب اسقاطه، حتى بواسطة الغزو العسكري، بينما معمر القذافي جدير بمساعي العلاقات العامة والاستشارات من "افضل الخبراء الموضوعيين" (صيغة الاقتراح الذي رفعتها الشركة الى ليبيا). فهل يحتمل أن يكون ساركوزي وبرل اجريا حسابا ماليا وليس سياسيا او اخلاقيا؟ من الصعب التصديق. عندما بنى كل اولئك العلامة التجارية الجديدة التي تسمى معمر القذافي، لا حاجة لان نعجب بانه لا يوجد رد فعل فوري على افعاله.