أريد من اجل التغيير أن أكتب شيئا متفائلا. تعلمون ان الزمن ليس لمصلحتنا بالضرورة، كما نُحب ان نشكو في ليالي الجمعة ونحن قاعدون حول المكسرات والسلطات والفودكا. سيوجد دائما في هذه المجموعة من يقول ان الاستخبارات لم تتنبأ (مرة اخرى) بالثورة في مصر، وسيوجد في مقابلته من يقول ان الاستخبارات تنبأت بهذا منذ زمن. وسيقع جدل في مبلغ كون اهود يعاري ثقة. ولن نتحدث عن فؤاد بن اليعيزر الذي أجرى اللقاءات الصحفية مع جميع القنوات عن "مكالمته الهاتفية" مع مبارك، الذي كان بحسب تقارير وسائل الاعلام شبه مغشي عليه وليس في وضع تلقي مكالمات هاتفية. ثمة من يتساءلون ألن ينفذ الجيش المصري، الذي تحمل مسؤولية اعادة النظام كما كان، انقلابا عسكريا محكما في واقع الامر بذريعة ان الدستور لم يتم تغييره؛ وكيف ستسلك مصر مع اسرائيل، وما معنى سلسلة الاضطرابات في الدول المسلمة في المنطقة. الثورة الحقيقية هي في استيقاظ قوة الاتصالات الحديثة – فيس بوك وتويتر وغوغل – التي تشكل معا أداة لكل من له اصبع ينقر بها الأزرار ليغير بذلك نظم العالم. هذه هي القوة التي تهدد مصير نظم حكم يريد الجمهور أو لا يريد خيرها. كان الطاغية الروماني تشاوسيسكو آخر من تبين انه لم يعد للطغاة مثله شرفات للخطب. تعلم الشعوب المضطهدة اليوم، انه يتبين لها بنقرة على الزر مبلغ كون وضعها بائسا. إن قادة الشرفات ومكبرات الصوت المتوحشة، الذين يسيطرون بتخويف شعوبهم، كانوا أوائل الضحايا لموجة التسونامي التكنولوجية التي لم يعد شيء بعدها من نصيب هواة قلّة. في الدول الأكثر شمولية أخذ يقل الخوف من انتقام الحكام. إن نقرة على زر الحاسوب قد تسقطهم حجرا بعد حجر كما في لعبة الدومينو. لم تعد اجهزة الاستخبارات هي عنصر المعلومات الوحيد. لم يتنبأ أي منها بالانتفاضة في تونس ومصر واستمرار ذلك في اليمن والجزائر والبحرين وايران. شاهد كل ايراني في الانترنت المشهد المُزعزع، عندما قتل حرس الثورة امرأة بدم بارد وقمعوا الانتفاضة التي صرخت من اجل الحرية. لكن يوم آيات الله سيأتي حتما. لا من الخارج بل من الداخل. انه منقوش على الجدار أو في الحاسوب في الأساس. أهم ثورات الاتصال عملت لمصلحة رئيس الولايات المتحدة براك اوباما. فقد فاز في الانتخابات فوزا عظيما بفضل المعلومات التي تلقاها من الفيس بوك وتويتر – التي تلتف على القنوات السياسية المعتادة. إن نصف المليون من الامريكيين الذين ملأوا الساحة التي أدى فيها اوباما اليمين الدستورية، يثبتون من جاء به الى السلطة في الحقيقة. يتساءل كثيرون ألن يُغرى الجيش المصري، الذي جعل نفسه مُقرا للنظام حتى تأسيس نظام ديمقراطي، بأن يكون نواة انقلاب عسكري متصل. أو ألن يقفز من وراء جنرال جليل مثل محمد نجيب ذات مرة، شبه عبد الناصر جديد. الخطر موجود لكنني أُقدر أن هذا لن يحدث. إن قوة الفيس بوك لن تُمكّن من هذا. يقول عضو الكنيست نحمان شاي، الذي عاد من جولة محاضرات قصيرة في لندن، إن اسرائيل واحدة من أكثر الدول حوسبة في العالم – لانه يوجد على الأقل عشرة ملايين نقطة اتصال متنوعة في مملكة الاتصالات. فبنقرة واحدة لمواطن على الزر قد يحث الحكومة على أن تشتغل بالدولة أكثر مما تشتغل بنفسها. لا يُسعدنا أن نسمع وزير الدفاع الذي لا يتجاوز الآن في استطلاعات الرأي نسبة الحسم، يعلن في زيارته للشمال مع رئيس الاركان الجديد ان الجنود سيُدعون في المستقبل الى دخول لبنان مرة اخرى. "يذكرون في حزب الله الضربات التي تلقوها على رؤوسهم في 2006". أتمر هذه الاشارة الحربية بالفيس بوك من غير ان يتذكر في مخزن معطياته ما الذي تلقيناه من الضرب؟. الزمن لا يعمل في مصلحتنا. سيحل الوقت الذي يبدأ الجمهور يفهم فيه ان حكومته لا تحكم، بل تحارب عن مجرد وجودها. وفي اللحظة التي يفهم ان الدولة التي ليست لها حدود دائمة غير قابلة للبقاء سيحين وقته ليتحدث الى حاسوبه. في الحقيقة نأمر بعدم الاعتماد على المعجزة، لكن يجوز ان نأمل ان يزول الكابوس الايراني من فوق رؤوسنا لا بطائرات الـ اف 15 لسلاح الجو ولا بصواريخ التوما هوك الامريكية بل بالفيس بوك والتويتر وغوغل.