لقائي الاخير مع الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، جرى في حزيران 2000. عرفته جيدا منذ عهده كنائب للسادات. وقد تميز كمن يقول ما في قلبه، صريح حتى المفاجأة، ذو حس دعابة، لا يتذاكى، لا يتورط في صيغ دبلوماسية ولا يخشى ان تتسرب اقواله. وكان في سياق حديثه يضع، غير مرة، يده على ساق محادثه، مثابة ايماءة صداقة. رجل الشعب. في حزيران 2000، كوزير عدل في حكومة باراك، التقيت مع مبارك بمبادرة باراك. باراك أراد في حينه ان يصل الى القمة مع كلينتون وعرفات، قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. كلينتون وافق ولكن عرفات امتنع عن ذلك. واعتقد باراك بأن ضغط مبارك على عرفات يمكن أن يُجدي وكان على وعي بالعلاقة الطيبة بين مبارك وبيني. قبل سفري سألت باراك ما هي تعليماته. فقدم وصفا عموميا لنواياه، ولكنه كان دقيقا في المجال الاقليمي: اسرائيل ستطلب ضم 13 في المائة من الضفة الغربية. كانت هذه النسبة الأدنى التي عرضتها اسرائيل في محادثات رسمية حتى ذلك الحين. الحديث مع مبارك كان ثنائيا. مبارك كان في مزاج رائق، وعلى عادته استطرد في القصص. رويت له عن رغبة باراك في عقد قمة للوصول الى اتفاق مبدئي مع الفلسطينيين. وشرح بأن عرفات يخشى ان يجد نفسه أمام محور باراك – كلينتون، يضغط عليه للتنازل وأن عرفات يشعر بعدم الراحة في الحديث بالانجليزية في محادثات تستدعي الدخول في التفاصيل. وأضاف بأن عرفات لا يرى نفسه كمن يدير مفاوضات بل كموقع على ما هو مُنجز، يكون قد اتُفق عليه مع أناس كأبو علاء. وعندها سأل مبارك مع ماذا يأتي باراك الى القمة. قلت له ان باراك سيقترح ضم 13 في المائة من الضفة. القصة غيّرت الحديث. قال ان هذا لن يكفي للتوقيع على اتفاق، ولكن هذا رقم يمكن منه بدء المفاوضات. ووعد بتوصية عرفات بالمشاركة في القمة، الامر الذي قام به بالفعل بنجاح. ولكن عندها توجه اليه كمن يشيع لي سرا، وطلب الحديث عن الحرم. لا أدري ماذا تقترحون بالنسبة له، شرح، ولكن مهم لي شيء واحد: عليكم ان تجدوا حلا سياسيا مع الفلسطينيين، لا تورطونا بحلول دينية، أعلام خضراء، سيادة الله، ولا تُدخلوا دولا عربية اضافية، هذا سيُحدث مشاكل جديدة فقط. أنا أعد بأن أتعايش مع كل حل تتوصلون اليه. هذه كانت الرسالة. وكان هذا تغيير دراماتيكي عن السياسة السابقة. بعد عدة ايام بدأت القمة في كامب ديفيد. والاقتراحات التي بُحثت في سياق القدس كانت بالفعل اقتراحات لحل ثنائي. وعندها حصل شيء مذهل لم يسبق ان حصل: في 23 تموز، يوم ذكرى الثورة المصرية، والتي يشارك فيها الرئيس المصري في عدد لا حصر له من الاحتفالات، سافر مبارك الى الملك السعودي، وعقد لقاءا معه، وفي ختامه شارك في مؤتمر صحفي، أعلن فيه عن ان الحرم هو مكان مقدس للمسلمين أجمعين، وان هذا ليس موضوعا سياسيا يُحسم بين اسرائيل والفلسطينيين. سمعت ولم أصدق. فبعد كل شيء، لست أنا من سأل مبارك رأيه في الحرم. هو الذي تكبد عناء نقل الرسالة. ما الذي دفعه الى مغادرة القاهرة في ذكرى الثورة، في اثناء مداولات القمة، لاصدار بيان مشترك معاكس، مع الملك السعودي؟. لم أعد اليه أبدا. ليس لدي هنا سوى المعرفة الواضحة بأن المحادثات الثنائية مع الزعماء هي محادثات مشوقة وهامة بالنسبة للمذكرات وليس أكثر من ذلك بكثير.