زمن نقل المسؤولية من رئيس الاركان التارك الى المتولي، سلّم اشكنازي غانتس كتاب الأهداف أي، "بنك الأهداف" في غزة، باعتباره رمزا لنقل العصا. الحياة مستمرة والأهداف في غزة جزء من الحياة. إن كتاب الأهداف هو ثمرة عمل مئات من رجال الاستخبارات، في الملابس العسكرية والمدنية، يجمعون كل قطعة معلومة ليجدوا اماكن واشخاصا يكون المس بهم جزءا من محاربة الارهاب. هذا عمل نمل لا ينقطع قوته في سريته. ذكّرني كتاب الأهداف ببدء الطريق. كان ذلك في 1994، بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي من الفور من أكثر قطاع غزة إثر اتفاقات اوسلو. بقي الجيش الاسرائيلي في مناطق ضرورية لحراسة الاستيطان في غوش قطيف ونتساريم. وحصلت السلطة على ما بقي من المنطقة. توقع الجميع تقريبا ان تعالج الارهاب بلا محكمة العدل العليا وبلا "بتسيلم"، كلغة رابين التصويرية. كنت في ذلك الوقت رئيس لواء البحث في "أمان". كان تقدير بعض ناس اللواء لاستعداد السلطة وعرفات لمحاربة الارهاب متشائما. وقد عبّروا عن رأينا في ايلول 1993، عندما كتبنا في ورقة عمل ان اتفاقات اوسلو قد تفضي الى تحول تاريخي لكنها قد تفضي الى سقوط صواريخ كاتيوشا على عسقلان (ومع مرور الوقت سألونا متهكمين أين صواريخ الكاتيوشا). في كل ما يتعلق بالتأييد الاستخباري للرأي المتفائل الذي قادته الحكومة، كان دورنا واضحا. فقد قدّمنا كل ما طُلب منا، معلومات استخبارية للتفاوض (وقعت اتفاقات اوسلو بغير مشاركة استخبارية)، ووصفنا شكل تنفيذ الفلسطينيين للاتفاقات. وباعتبارنا مسؤولين لا عن التقديرات فحسب بل عن بناء القدرات البحثية، سألنا أنفسنا ماذا نفعل لمواجهة تحديات المستقبل. كان واضحا انه ينبغي تعزيز بحث المجال الفلسطيني في يهودا والسامرة وغزة – وهو مجال كان حتى ذلك الوقت من مسؤولية "الشباك" وحده تقريبا. كان واضحا انه يجب صرف انتباه الى السلطة ومؤسساتها باعتبارهما جسما جديدا يدخل المنطقة ويصبح محادث اسرائيل الرئيس. فكرنا ايضا في افتتاح مجال آخر – أهداف في اراضي السلطة. وكان واضحا انه منذ اللحظة التي ينسحب فيها الجيش الاسرائيلي ستكون النظرة الى المنطقة الفلسطينية كالنظرة الى ارض عدو. لا يستطيع "الشباك" ان يعمل هناك كما عمل عندما كانت المنطقة تحت سيطرة الجيش الاسرائيلي، ولهذا سنحتاج الى قدرات عسكرية كي نتعرف ونركز العمليات المختلفة التي ستجري على أية حال في سيادة اجنبية وإن لم يكن هذا هو التعريف القانوني الدقيق. استقر رأينا على انشاء جهة بحث أهداف وأن نبدأ في غزة. وتساءل غير قليلين في الجيش. كان من قالوا "ألم يتغير الوضع عندهم، ألا يفهمون ان عرفات لم يعد عدوا". وكان من اتهموني بالتشاؤم الذي ينبع من عقيدة ما. وكان من استخفوا بأناس البحث الذين يبحثون عن أعداء للحصول على مخصصات. ولما كان سلاح الاستخبارات قد مطّ امكاناته حتى أقصاها لاستيعاب التحدي (ويستحق قادته في ذلك الوقت الشكر)، فقد اضطررنا الى الوصول حتى رئيس الاركان في نضال من اجل الموافقة على الامكانات. وقد فهم بخلاف عناصر هيئة القيادة العامة فأجاز ذلك. أتذكر الهدف الاول. افتخرنا بالثمرة الاستخبارية الاولى بازاء تساؤل كثيرين لم يفهموا لماذا يحظى بيت مهرب سلاح صغير بمعاملة ملكية في مسار الموافقة على اعتباره هدفا عند رئيس الاركان ووزير الدفاع. ليست الحكاية التاريخية هي الأساس بل الدرس: فالدولة الجدية والجيش الذي يعمل عملا صحيحا يجب عليهما ان يتعرفا على التهديدات مسبقا وأن يستعدا للاسوأ في حذر لا يسبب اضاعة الموارد لكن على نحو يأخذ هذه التهديدات في الحسبان.