الانطباع السائد وكأن خطاب المتظاهرين في مصر كان نقيا نسبيا من كراهية اسرائيل، ليس دقيقا. الأماني لونت بالوردي حقائق سوداء، مثل يافطة "يا اسرائيل، بعد ان ننتهي من مبارك سنصل اليكم!"، أو كاريكاتور مؤيد لمبارك بأنف وأذني خنزير، مع ربطة عنق وعليها صليب معقوف على خلفية علم اسرائيل. أو متظاهر يقول "عندما سيكون الشعب المصري حرا، سيحرر الفلسطينيين ويدمر اسرائيل". أو كاريكاتور شهير لمبارك مع نجمة داود على جبينه. محمد بديع، زعيم الاخوان المسلمين في مصر، يؤيد الغاء اتفاق السلام مع اسرائيل ويدعو حماس في غزة: "انتظروا بصبر، نحن على حدودكم". خطر يكمن في امكانية ان تزود مصر معادية حماستان الغزية بجبهة داخلية لوجستية ومظلة دفاعية، تمنع أو تُقيد الاعمال العسكرية المضادة من جانبنا، و/ أو تسمح باطلاق اصبع عسكرية مصرية على طول النقب الغربي. رابين وشارون بادرا الى الاستيطان اليهودي في القطاع بالضبط من اجل منع مثل هذه السيناريوهات. انهيار ترتيبات الامم المتحدة وخرق الضمانات الامريكية عشية حرب الايام الستة أدت بهما الى الاستنتاج بأن الضمانة المؤكدة الوحيدة هي التواجد الاسرائيلي، العسكري والمدني، في الارض. ومع الزمن، فان ما فعله شارون جلبه على نفسه وعلى شعبه. اليوم مطالبة اسرائيل بأن تصمم استراتيجية حيال تهديدات مشابهة، فيما أن اجزاء واسعة من مؤسستها لا تزال ترفض الاعتراف بالعلاقة السببية التي بين خطايا الماضي والوضع الحالي – حربة حماسية ممشوقة، من الحدود المصرية وحتى ضواحي عسقلان. ودون رؤية الصلة السببية بين الأحداث، فما هو الفرق بين الانسان والحيوان، الذي يلتقط الصورة تلو الصورة ولا يكون قادرا على ان يربط بينها؟. الصلة السببية هذه تقطعها المؤسسة بنيّة مبيتة. لماذا، مثلا، ذات الصاروخ بالضبط – حين يمس كريات شمونة يسمى "كاتيوشا"، ولكن عندما يسقط في عسقلان يكون اسمه "غراد"؟، ذلك لان الحكم يخشى من ان يتذكر أحد ما كيف هزأ رابين في الكنيست من تحذير "الكاتيوشا على عسقلان"، فيربط بين الانسحاب والطرد وكل ما وقع بنا منذئذ: اقامة دولة مخربين اولى، وفي هذه الاثناء الوحيدة في العالم؛ الصواريخ، قذائف الهاون، العبوات والنار من القطاع؛ "رصاص مصبوب"، تقرير غولدستون وموجة عالمية من نزع الشرعية؛ "مرمرة" والحرب الباردة مع تركيا؛ قاعدة حزب الله في الجنوب؛ تفجير انبوب الغاز المصري على أيدي حماس. مصلحة واضحة تدفع كل من كانت يده في "فك الارتباط" الى نفي كل صلة بين صندوق المفاسد هذا، بما في ذلك اختطاف جلعاد شليط وقتل رفاقه، وانسحاب جيشنا وهدم بلداتنا في الصيف التعيس للعام 2005. اليوم يقترح افرايم سنيه العودة الى احتلال محور فيلادلفيا، ولكن في قرار فك الارتباط جاء: "حكومة اسرائيل ستواصل التواجد العسكري على طول محور فيلادلفيا". هذا التواجد هو "حاجة أمنية حيوية"، إلا اذا توفرت "تسوية مصداقة اخرى". المحور أخلوه ببساطة لان الجيش الاسرائيلي لم يكن قادرا على ان يحتفظ برواق على طول 14 كم وبعرض عشرات الأمتار دون الجبهة الداخلية المدنية التي خُربت وطُردت. الصلة السببية هذه قطعها سنيه في وعيه. وتذكار آخر من قرار فك الارتباط: "هدف الخطة تحقيق واقع أمني، سياسي، اقتصادي وديمغرافي أفضل... الخروج من غزة كفيل بأن يقلص الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين... تطبيق الخطة سيؤدي الى الخروج من الجمود الحالي". حتى اليوم أي من اولئك الذين تحملوا المسؤولية الجماعية عن الترهات والهراء هذا لم ينهض ليقول "اخطأت، وأنا أتحمل المسؤولية". بعض منهم يجلس اليوم ايضا في الحكومة وفي الكنيست، وهم مطالبون بالاستعداد للنتائج المريرة الاخرى، المحتملة، لتلك الافعال التي قاموا بها. كيف سيفعلون ذلك، وهم لا يزالون غير قادرين على ان يعترفوا بالصلة التي بين الافعال والنتائج، بين السبب والمسبب؟.