سيتذكرون الحادي عشر من شباط الى الأبد. كان ذلك في اليوم الثامن عشر من الثورة في الميادين الذي اضطر فيه الرئيس حسني مبارك الى الاستقالة بعد ان حاول جميع الامكانات الاخرى. إن اولئك الذين جاءوا الى ميدان التحرير كل يوم، واولئك الذين واجهوا الممثلين المريبين للمؤسسة، واولئك الذين صلّوا هناك واولئك الذين أنشدوا ورقصوا – سيتذكرون هذه الايام باعتبارها ايام وحدة وتضحية وشعور نادر بأنهم يستطيعون التأثير. سيقارنون هذه الايام الثمانية عشر بكل ما سيحدث بعد ذلك، وسيتحدثون بمرارة عن ايام الصغائر بعد الثورة.* * * ولن يفهموا كيف تبدلت ايام اليسار واليمين، والاخوان المسلمين والاخوان الكافرين، الذين ناضلوا كتفا الى كتف، وأعد بعضهم القهوة لبعض، وبكوا سعادة ورقصوا معا فرحا في ايام التفرق والتنافس، وايام تجاهل الغير. لن يدركوا كيف تبدل حلم الحرية والديمقراطية الذي كان يبدو للحظة عمليا جدا على مبعدة لمسة حقا، وحل محله شيء ما يختلف كثيرا عن الأمل. إن اولئك الذين كانوا في الميدان واولئك الذين نظروا اليه، مسحورين متطلعين، بواسطة شاشات التلفاز، سيُحدثون أحفادهم عن هذه اللحظة التأسيسية التي أدرك فيها الشعب المصري فجأة انه أقوى من قادته وأنه اذا أراد حقا أن يمضي الزعيم الى بيته فسيمضي الى بيته. وسيحسد الأحفاد أبناء الجيل الشيوخ الذين جربوا هذه اللحظة.* * * سيقارنون هذه الذكرى بايامهم الشاحبة ويقولون في نفوسهم انه قد عاش آنذاك في شباط 2011 ناس ذوو طبيعة مختلفة، وشجاعة لم تعد موجودة بعد. ولن يسألوا ماذا كانت بالضبط خطة المتظاهرين، ولن يسألوا ايضا كيف خمّنوا في نفوسهم أن الديمقراطية الكاملة ستنشأ بعد نجاحهم الكبير في اسقاط حكم مبارك. لكن الجواب سهل وقاسٍ: فقد كان الفرح مشتركا لكن كل متظاهر كان له حلم يختلف بالنسبة لمصر بعد ذلك. وكل متظاهر آمن لسبب ما بأن حلمه سيتحقق نتيجة استقالة من يكرهون. ولما كان الامر كذلك فقد أصبحت لحظة تحقق الهدف المباشر الذي يتفق عليه الجميع، لحظة ابتعاد عن الهدف الحقيقي. من هنا سيمضون ويتفرقون عن الوحدة التي كانت آنذاك في الميدان.* * * تتوقع بعد الآن ايام فرح قليلة. المرحلة التالية هي إزالة صور الرئيس حسني مبارك من المفارق. هذا جزء ضروري في التحرر من الحكم الاستبدادي. لقد تم تفريق الكثير من صور مبارك في أنحاء الدولة وهو فيها كلها أكثر شبابا وهو في أكثرها مدني وفي بعضها يلبس البزة العسكرية. سنرى إزالة الصور في شبكات التلفاز المختلفة لا في "الجزيرة" وحدها. وسنرى بعدُ شبانا متحمسين يمزقون في غضب الصور الضخمة ويدوسون مزقها. لكن لا أحد منهم يعلم أي صور ستُعلق هناك في الاشهر القادمة.