في السادسة صباحا أمس، قبل بزوغ الفجر في القاهرة، عرّفت مراسلة "الجزيرة" باللغة الانجليزية، جاكي رونالد، ما يجري في حفل الشارع الضخم حولها بأنه "صحوة الثورة". استُلت الكلمات الكبيرة الآن من المخزن. ما تزال ملفوفة بمختلف التحفظات والمخاوف، لكن من السهل ان نقول انه لم يبزغ قط فجر يوم جديد كهذا على مصر، ربما اذا استثنينا صباح ثورة ضباط جمال عبد الناصر، قبل أكثر من ستين سنة. آنذاك أُبعد الحكم الملكي، وفي ليل السبت أُبعد الاستبداد. وفيما بين ذلك تأرجحت ارض النيل بين الأفواه الجائعة والأفواه المغلقة. الأخبار من مصر أخبار جيدة لا لها وللعالم العربي فقط بل للعالم كله، وفيه اسرائيل. لهذا فهذا هو وقت إطراء الشعب المصري. انه وقت أمل ألا تشوش هذه الثورة الرائعة. هلّم نترك جميع المخاوف جانبا – الفوضى أو "الاخوان المسلمين" أو الحكم العسكري – ولندَع الأمل الكبير يفصح بقوله الآن. هلّم لا نبحث الأخطار، هذا وقت الانتشاء بالنور الذي بزغ من النيل بعد 18 يوم نضال شعبي وديمقراطي. وقد برهنت مصر من بين جميع الدول على أنها تستطيع. وان هذا ممكن. انه يمكن اسقاط حكم الاستبداد حتى بالطرق السلمية. هلّم ننظر الى نصف الكأس المليء: لقد ظهر وهم غير قليل من المخاوف المسبقة. وتحطمت تباعا الآراء المسبقة القديمة السيئة للغرب واسرائيل في مصر. فاذا استثنينا يوما عنيفا واحدا، لم تكن هذه الثورة عنيفة في أساسها. فقد برهن الشعب المصري على انه شعب غير عنيف وغير مسلح في أساسه. إن القاهرة ليست بغداد وليست نابلس. وهذه أنباء حسنة. وقد أثبت جيشها ايضا انه يعرف حدود القوة وان اصبعه ليست خفيفة على الزناد مثل جيوش اخرى حوله. وقد أثبت هذا الجيش الى الآن – وانقروا على الخشب – الحكمة والتصميم والحساسية. أثبت آلاف المصريين الشبان الذين ظهروا على شاشات تلفاز العالم ايضا ان لمصر وجها يختلف عما اعتدنا اعتقاده. فليس يوجد هناك الفول والفلافل والافلام المصرية في ليل السبت فقط، بل يوجد وعي اجتماعي وسياسي عميق حتى باللغة الانجليزية. وقد أثبتوا بخلاف ما يُحدثوننا عنه صبح مساء أن كراهية اسرائيل ليست في مقدمة اهتماماتهم. وكذلك نبوءات الغضب بأن كل تغيير ديمقراطي سيفضي الى صعود الاسلام بعيدة عن التحقق في هذه الاثناء. أنظروا الى صور الثورة من ميدان التحرير: لقد ظهر فيها عدد قليل نسبيا من الشعارات الدينية. وقد صلّى المتدينون في صمت وحولهم حزام واسع من الثوار العلمانيين. وكذلك قالت المرأة المصرية قولها: لقد ظهر غير قليل من النساء في الميدان حتى لو كُن أقلية حتى الآن. ليست مصر ما اعتقدنا. بيد أن النضال لم ينقض بطبيعة الامر. انه ما يزال في أوله. إن بدء نهاية النظام القديم هو نهاية بدء الثورة فقط. لكن يمكن الآن ان نتوقع انه اذا مرت مصر بعدُ بمرحلة غير ديمقراطية في طريقها، كنظام عسكري أو سيطرة اسلامية، وحتى إن لم تتحول بين عشية وضحاها الى ديمقراطية ليبرالية غربية مع معارضة وحرية – فستنتهي الى الوصول الى هناك. لا تكاد توجد طريق عودة، ولم تكن قط أقرب الى ذلك مما هي الآن. يستطيع المستشرقون الانفجار: فقد تلقت الفكرة العنصرية عن أن "العرب غير ناضجين للديمقراطية" ضربة قاضية مدوية. لانه ما هو الشيء الأكثر ديمقراطية من ثورة الياسمين هذه حتى الآن. رد العالم في أكثره على ما حدث كما ينبغي. فباشراف من براك اوباما، دعم العالم على غير عادته محاربي الحرية في ميدان التحرير دعما شجاعا ذا أهمية. وهؤلاء سيذكرون له ذلك، وربما يبزغ بهذا ايضا فجر جديد لعلاقات الولايات المتحدة بالعالم العربي، كما وعد اوباما في "خطاب القاهرة". وماذا عن اسرائيل؟ انها تتصرف كعادتها. ان رئيس الحكومة فرض الصمت على وزرائه حقا لكنه لم يُضع فرصة لاضاعة الفرص: فقد توجه ذات مرة الى مصر بلغة صارمة سيادية ولن نقول تهديدية، كي تحرص على الحفاظ على اتفاق السلام؛ وحذر مرة ثانية من تحولها الى ما يشبه ايران. سيتذكرون لنا هذا في ميدان التحرير، وإن لم يأتِ متأخرا جدا: الآن يجب على اسرائيل الرسمية أن تنضم الى الغرب وأن ترسل كلمة حسنة شجاعة من القدس الى القاهرة. واذا لم تفعل اسرائيل الرسمية هذا فلنفعله نحن الصغار على الأقل من هنا فنقول: مبروك يا مصر.