ايهود اولمرت يقول انه يتعذب. وهو يتعذب في عشرات الصفحات التي ينشرها في الصحف ويتعذب في كتاب السيرة الذاتية خاصته ويتعذب في المقابلات التلفزيونية. فقد كان قريبا جدا من السلام، كاد يمد يده فيلمسه ولكن ابو مازن اختفى له في اللحظة الاخيرة "وصائب (عريقات) قال انه كان يجب ان يسافر الى الاردن". ونحن بقينا بؤساء بدون سلام اولمرت، الذي أعاد للفلسطينيين مائة في المائة من الارض. "قلت لابو مازن، صعب عليّ أيضا، خذ القلم ووقع الان"، يروي ايهود اولمرت في كل صحيفة ودار نشر او في كل محطة تلفزيون للترويج لكتابه. على غلاف ملحق "7 أيام" في "يديعوت احرونوت" في نهاية كانون الثاني، مثلما على غلاف الملحق السياسي للصحيفة في ايلول الماضي، يظهر وجهه المعذب، وهو يمسك بكلتي يديه قلما وكأنه ينتظر الشريك الفلسطيني الذي اختفى. "هو لم يقل لا"، يواسي اولمرت نفسه في مقابلة مع اودي سيغال في القناة 2 في منتهى السبت. وهو لا بد سيعود. اولمرت ليس شخصا يتعذب. فهو بشكل عام يكره العذاب. هو يحب الاستمتاع. لا حاجة لاكثر من سلسلة لوائح اتهام رفعت ضده لمتابعة الاملاك التي جمعها، نمط حياته، اصدقائه أصحاب الملايين، المال الذي أحبه، والاماكن الفاخرة الذي درج على قضاء وقته فيها في أرجاء العالم. لو كان اولمرت شخصا يتعذب ضميره حقا لكان ينبغي له أن ينهض ويستقيل بعد تقرير فينوغراد الاول في نيسان 2007، الذي فصل قصوراته الخطيرة في ادارة حرب لبنان الثانية. من بعث عشرات الجنود بطريقة سائبة نحو متهم، كان ينبغي أن يقرأ السطر الاول في التقرير كي ينصرف. والسطر الاول في تقرير فينوغراد كان من شعر يهودا عميحاي "من الانسان أنت والى الانسان تعود". عميحاي يكتب عن "الموت في الحرب يبدأ بالنزول في مدرج انسان آخر، شاب". لدى اولمرت نزل في المدرج 117 جنديا شابا، منهم 46 جندي احتياط. مناحيم بيغن تعذب حتى يوم وفاته على موت الشباب في حرب لبنان الاولى. بيغن ايضا استقال في اثناء الحرب. اما اولمرت فلم يفكر للحظة بان يتصرف مثله. ما حصل بالفعل هو أن لائحة الاتهام والمحاكمة التي رفعت ضد اولمرت وضد مقربيه على افعال الفساد الخطيرة التي ارتكبوها زعما تعذبه جدا. اولمرت يهزأ في كتابه من السياسيين والصحفيين القدامى الذين يحسدونه ولكن يخيل أن احدا ما كان ليحل محله. لا يوجد في واقع الحال فرق كبير وبينه وبين حسني مبارك، الرئيس المصري، الذي يطرده الشعب من الحكم بعد أن مله ومل حكمه. اولمرت، كما نذكر، هو رئيس الوزراء الاول في تاريخ الدولة الذي اضطر الى الاستقالة بسبب الاشتباه باعمال الرشوة، الغش وخرق الثقة. من الصعب قليلا متابعة الالاعيب المصلحية على مدى الحياة المهنية الملتوية لاولمرت. صعب ان نفهم كيف أن شخصا عارض اتفاقات السلام التي وقعها مناحيم بيغن مع انور السادات (اولمرت صوت في الكنيست ضد اتفاقات كامب ديفيد في ايلول 1978) يتمسك اليوم لدرجة الهوس بخطة السلام التي تبناها. يمكن فقط بالطبع أن نجرب. فرضية العمل للسياسيين بصفتهم هذه هي ان الجهاز القضائي، نخبة القضاة والنواب العامين هم من محبي اليسار. ارئيل شارون آمن بذلك وليس هو فقط. فهل اولمرت يؤمن به ايضا؟ اولمرت يصور نفسه بانه الرجل الاكثر سواءا للعقل في الدولة وهو يخلق عرضا عابثا بان خطته قابلة للتطبيق؛ وكأنه يمكن اليوم تقسيم القدس. وكأنه كانت لديه القوة السياسية لتحقيق حق العودة. وكأنه كان يمكنه أن يخلي عشرات الاف المستوطنين من منازلهم، بما في ذلك داخل احياء القدس. وكأنه كان يمكنه أن ينقل الحرم والمبكى الى وصاية اجنبية، فيما تحتفظ اسرائيل فقط بخمس هذه الوصاية، الى جانب السعودية، الاردن، فلسطين والولايات المتحدة. كل شيء جيد على الورق. كل شيء قد يتمكن ربما من مساعدة اولمرت في المحاكم أمام الملفات الثقيلة. ولكن ينبغي لنا ان نأخذ كل شيء ضمن التوازن الحقيقي. ينبغي الامل في أن يعرف الجميع كيف يفرق بين رئيس وزراء سابق حاول ان يجلب السلام وبين المواطن المحلي، الذي يتعذب في مخالفات جنائية وسياق قضائي معقد يسره ان يخرج منه بسلام.