قبل أقل من شهرين أجرت صحيفة كندية مقابلة صحفية مع عمرو موسى، الامين العام للجامعة العربية. وعرض عليه الصحفي أسئلة قاسية عن العالم العربي – عن الطغيان، عن قمع الحريات الاساسية، عن مكانة المرأة. وكان لموسى جواب متوقع من دائرة الخداع الذاتي: المشكلة هي الاحتلال الصهيوني، قال. ما أن ينتهي، فالازدهار الواسع سيغمر العالم العربي. موسى، وزير الخارجية المصري الاسبق والذي لا يزال يحلم في أن يكون رئيسا، هو خلاصة المشكلة. على مدى عشرات السنين باع زعماء الدول المجاورة معاذير جمة. الطغيان بسبب الصهيونية. "ترحيل الذنب"، تسمى هذه الظاهرة في الاكاديمية. الاسم الادق، هو الخداع الذاتي. هكذا هو الحال لدى موسى والعلمانيين، وهكذا لدى الاخوان المسلمين. فهم ينتظرون على الابواب بحيث انه حتى لو قضوا على نظام فاسد أو اثنين، فهذا قد يكون من السيء الى الاسوأ. في مصر يدور الحديث عن ملايين الخريجين الجامعيين الذين لا عمل لهم. ليس لديهم ما يخسروه. استطلاعات في اوساط اولئك الشبان تُظهر شيئين: كثيرون يرغبون في الهجرة الى امريكا. كثيرون يكرهون امريكا. هذا ليس انفصام في الشخصية، حيث يمكن تسوية التناقض. يريدون امريكا لان الحديث يدور عن بلاد الفرص والحريات. يكرهون امريكا بسبب التحريض الاسلامي وكذا لانها تؤيد النظام الفاسد. غير ان هناك معطيات مخيفة اخرى: حسب استطلاع "غالوب" من العام 2008، فان 64 في المائة من المصريين يريدون ان تكون الشريعة هي المصدر الحصري للتشريع. وفقط لغرض المقارنة فان الحديث في ايران يدور عن 14 في المائة، وفي تركيا 7 في المائة فقط. بمعنى انه كلما جرى الحديث عن الشعب، فان الثورة الشعبية في ايران معناها نظام ليبرالي أكثر. ثورة شعبية في مصر، من جهة اخرى، معناها احتمال لا بأس به لنظام اسلامي. من السابق لأوانه قول ماذا سيكون، ولكن حسب ميول قلب المصريين، فان اولئك الذين سيفوزون بالحكم لن يكونوا حركات مثل "كفاية"، التي شكلت معارضة قبل الانتخابات السابقة، ولا "الجمعية الوطنية للتغيير" لمحمد البرادعي، ولا أيمن نور الديمقراطي – الليبرالي الذي تنافس أمام مبارك في الانتخابات الرئاسية في 2005 وحظي بـ 12 في المائة من الاصوات. من من شأنه ان يفوز بالحكم هم بالذات المعارضة الاكثر تنظيما – حركة الاخوان المسلمين برئاسة د. محمد بديع. مشكوك ان يسمح الجيش لـ "الاخوان" بأخذ السلطة، غير ان هذه كانت ايضا القصة في الثورة الايرانية التي أسقطت حكم الشاه: الشارع لم يكن اسلاميا، بل ضد حاكم وحكم فاسدين واجهزة أمن ساحقة. المظاهرات نظمتها جملة واسعة من الحركات، بما فيها حركات اليسار. في المراحل الاولى كان التعاون بينها وبين الخميني. والتتمة معروفة. فقد أُسكتوا وُاخفوا. من ناحية ميول الاغلبية، في مصر الوضع اسوأ. لا يزال ليس هناك طابع اسلامي للمظاهرات، ولكن من يدري، يحتمل ان يكون الاخوان المسلمون ينتظرون التوقيت السليم. العالم العربي يجتاز ايام عصف وثورة، ولكن دعنا لا نوهم أنفسنا. ليست هذه ثورة دول شرق اوروبا، ولا حتى احتفال اسقاط السور في برلين. الأمل بأنظمة ليبرالية وديمقراطية أكثر قد يتبدد. هناك احتمال، لا بأس به، في انه بدلا من القمع والفساد العلماني، سنحصل على قمع وفساد اسلامي. في مصر، من بين كل الدول، هذا الخطر أكثر حقيقية بكثير.