شاركت الاسبوع الماضى فى حلقة من برنامج ولكن نلتقى الذى تبثه قناة العالم الفضائية والتى خصصت لقراءة ومناقشة كيفية تعاطى الاعلام العربى مع الفتنة الطائفية والمذهبية وهل يؤدى الاداء الخاطىء وغير المهنى فى تاجيج الفتنة بدلا من محاصرتها وتحجيمها .بداية لابد من الاشارة الى الاهمية الفائقة للموضوع و المسوؤلية الملقاة على عاتق الاعلام فى التصدى للمشاكل والتحديات التى تعانى منها المجتمعات العربية ومناقشتها بشكل علمى وموضوعى هادىء ومتزن فى سبيل بلورة الحلول والوسائل القادرة على تخطيها باقل كلفة ممكنة وبسبب الواقع العربى الراهن المتردى والمترهل فان الموضوع غير قابل للتاجيل حيث باتت الفتنة خطر جدى يهدد عديد من الدول العربية وقد يؤدى الى تفتتها ايضا طرح الامر للنقاش هو اولوية ملحة اذن والاستماع لمختلف وجهات النظر هو امر حيويى ايضا ولكن باكبر قدر ممكن من الهدوء والتعقل والاتزان والحكمة .امر منهجى اخر ينبغى التنبه له ويتعلق باداء السلطة الرابعة فى العالم العربى وعلاقتها العضوية بالسلطات الثلاث الاخرى التشريعية والتنفيذية والقضائية بمعنى ان السلطة الرابعة لن تشتطيع القيام بمهامها على اكمل وجه فى ظل الاداء السلبى والمخيب والضعيف للسلطات الاخرى وهذه ليست دعوة للاعلام للتكاسل او التقاعس عن اداء مسوؤلياته ولو وفق القاعدة الشهيرة ما لا يدرك كله لا يترك جله غير ان الامر من جهة اخرى يظهر الحاجة الماسة والملحة الى خوض معركة الاصلاح السياسى الشامل الذى من دونه لا يمكن توفير البيئة الملائمة امام الاعلام او اى من السلطات الاخرى للقيام بدورها على اكمل وجه .الاصلاح السياسى يتيح فى الحقيقة توفر امرين اساسيين لا يمكن لاى اعلام ان يتطور ويتقدم بدونهما وهما الحريات الاساسية وسيادة القانون الحريات الاساسية التى تكفل الحصول على المعلومات والاحصائيات والمعطيات وقبل ذلك القدرة المعنوية والادبية والنفسية على فتح كل الملفات للنقاش فى اجواء من الانفتاح والشفافية والصراحة ووطرح كل الاراء على بساط البحث بشكل عادل ومتوازن وسيادة القانون التى تحدد الخيط الرفيع وغير المرئى احيانا بين ما هو ممنوع وما هو مسموح وخضوع الجميع للقانون دون اى تمييز او فروقات بين فئات المجتمع المختلفة ليس على المستوى السياسى وانما الاجتماعى والاقتصادى ايضا .لا يمكن بالطبع تجاهل الدور الخارجى فى التحريض على الفتن باشكالها وتجلياتها المختلفة غير ان هذه ايضا يمكن مواجهتها عبر المهنية والاصرار على اخضاع كل الافكار والاراء للنقاش الموضوعى والهادىء وتوضيح خلفيات وابعاد التدخل الخارجى الذى يهدف-كما العراق والسودان وحتى لبنان- الى تفتيت المنطقة ونهب ثرواتها والتحكم فى مقدراتها واخراجها من دائرة النفوذ والتاثير الاقليمى والدولى وقبل ذلك وبعده الاقتناع والايمان بان الجسم الضعيف والمتهالك لن يقوى على مواجهة التحديات اى كانت وحده الجسم القوى المتماسك المتعافى باستطاعته التغلب على الصعوبات ومواجهة الامراض اى كانت خطورتها بل والتغلب عليها وتجاوزها .اكدت الاحداث الاخيرة فى مصر والعراق ولبنان والسودان وبقاع اخرى مدى استفحال الفتنة وتحولها الى خطر جدى على الوحدة الوطنية والاستقرار والسلم الاهلى غير انها كرست فى المقابل الدور المركزى والطليعى والمتقدم للاعلام فى مواجهتها وكيف يمكن ان يكون عامل الحسم بالاتجاه الايجابى او السلبى وامل ان يكون الدرس المصرى الاخير القاسى والمؤلم والصادم دافعا للابتعاد عن اثارة النعرات على اختلاف اشكالها وتجلياتها و والتركيز على جوهر المشكل السياسى الاقتصادى الاجتماعى وطنيا وقوميا وعدم استحضار العامل الطائفى والمذهبى والدينى لتبرير الفشل المدوى للانظمة والنخب الحاكمة فى حل الازمات التى نعانى منها كعرب افرادا ومجموعات .ثمة معطى مهم ينبغى التنبه له ايضا وعلى المستوى الشخصى لا يمكننى كباحث وكمواطن فلسطينى وعربى ان اتجاهله ورغم الهموم القطرية والقومية الا ان القضية الفلسطينية ما زالت تمثل القاسم المشترك الاعظم وطنيا وقوميا وانسانيا –لنتمعن مثلا فى قافلة اسيا 1 واعتراف دول امريكا اللاتيينية بالدولة الفلسطينية- يحتاج الامر من الاعلام الى التركيز الدائم على ممارسات الاحتلال ومظلومية ومعاناة الشعب الفلسطينى المتواصلة واقلاع النخب والقادة الفلسطيينين عن خلافاتهم ومشاحناتهم والتركيز على الصراع والخلاف الاساس مع الاحتلال وعندئذ ستكون فلسطين كما كانت دوما نقطة للتلاقى بين الشرائح والفئات ليس فقط على الصعيد الوطنى وانما القومى و الدولى. فى الاخير وباختصار طرح الموضوع للنقاش ينم عن جراة وشجاعة نحن بامس الحاجة اليها وطبعا لا يمكن الانتصار على المرض دون الاقرار بوجوده واتباع السبل العلمية والسليمة لتشخيصه وعلاجه كما ينبغى تاريخيا لم نكن نعانى مشكلة فى التشخيص وانما فى طرق العلاج فقط و حتى هذه باتت بمتناول اليد فى الفترة الاخيرة ببساطة لان النقاش الحر والصريح والشفاف والشجاع يفتح افاق جديدة امام مواجهة التحديات والصعاب والتغلب عليها بشكل جماعى وطنيا وقوميا ايضا .. مدير مركز شرق المتوسط للاعلام