خبر : أيها الإرهابي قف وفكر: هل تريد دولة قبطية في مصر؟ ..زهير اندراوس

الجمعة 07 يناير 2011 08:58 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أيها الإرهابي قف وفكر: هل تريد دولة قبطية في مصر؟ ..زهير اندراوس



لا يمكن لكائن من كان على وجه هذه البسيطة أن ينكر دور الدين في جلب السعادة والاستقرار لمجتمعات وشعوب العالم، وبالمقابل لا يمكن التغاضي عن أن الدين أحيانا كثيرة، كان وما زال، السبب الرئيس والمباشر في اندلاع الحروب وحدوث المشاكل في العالم، فالدين هو القانون الإلهي العادل بالنسبة للمؤمنين به، بغض النظر عن صحته أو عدمها، كما أنه يعتبر الجواب النهائي والشافي لحالة القلق التي عاشها ويعيشها الإنسان، ناهيك عن أنه، بشكلٍ أو بآخر، هو الحل المناسب لإزالة الخوف من المجهول، وكونه دليلا أخلاقيا لتصرفات الإنسان كي يحافظ على اعتداله مع الآخرين، وبالتالي فإن الدفاع عنه أو الالتزام بمبادئه هو أمر مطلق لدى الكثير، لا سيما الشرقيين، إذ أن الشرقيين لا يقبلون الجدل والنقاش أو التفكير بطريقة تعطي مجالا للشك في تعاليم أديانهم، بل هم يدافعون عن تعاليمهم بشتى الطرق حتى إن كانت دموية، وبرأينا المتواضع، الالتزام بتعاليم الدين هو الطريق الوحيد لهروب هؤلاء المؤمنين من الواقع الحقيقي المتخبط الذي يعيشونه إلى عالم وهمي بعيد عن الحقيقة. بناء على ما تقدم فإن السؤال المهم الذي يجب أن يسأله كل واحد منا، بينه وبين نفسه، متى يتحول الدين إلى الأفيون فعلا، والسؤال الثاني، الذي لا يقل أهمية عن سابقه هو ماذا كانت غاية كارل ماركس في وصف الدين بأنه أفيون الشعوب؟من نافلة القول إن حالات الإحباط والفقر واليأس والقمع وسيطرة النخب الرجعية والديكتاتورية على مقاليد السلطة في الدول العربية، التي ما زالت بعيدة عن الدولة الحديثة في كل ما يتعلق بالمواطنة، والحريات العامة وتقسيم الثروات، هذه العوامل مجتمعة، كفيلة بتحضير وتجهيز التربة الخصبة وتوسيع الحيز الفارغ، لدخول الحركات الأصولية إلى المجتمع وإقناع الجمهور العريض، الذي يتعرض للقمع الممركز والمنهجي، بأن الدين هو الحل، هذا إذا أخذنا أيضا بعين الاعتبار أن الأديان والمعتقدات في عصرنا تعاني من مشكلة فكرية حقيقية، ذلك أن صيغها وقوالبها المطلقة تعارض فكرة حدوث أي تغير أو تطور في الطبيعة وإمكانيات الإنسان، كما أنه غني عن القول إن فكرة وجود تغير بصورة مستمرة للعالم المحيط بنا أصبحت من البديهيات لدى الفكر الإنساني الحديث، بسبب وجود براهين علمية داعمة لها.نسوق هذه المقدمة على وقع التفجير الإرهابي الذي تعرضت له الكنيسة القبطية بمصر في اليوم الأخير من السنة الميلادية التي ولت، فهذه العملية الإجرامية بحسب جميع المقاييس والمعايير الإنسانية والأخلاقية والدينية والوطنية أعادت قضية التعصب الديني في الشرق الأوسط إلى الواجهة، ووضعت قضية التعرض للمسيحيين العرب في الشرق الأوسط على رأس الأجندة السياسية في العالم العربي.وفي هذا السياق هناك عدة أسئلة يجب طرحها بدون رتوش، من منطلقات قومية ووطنية، السؤال الأول: من سمح لهذا التنظيم الأصولي المتزمت أو ذاك بتأجيج الطائفية واللجوء إلى العنف ضد الأقباط في مصر والمسيحيين في العراق؟ في مصلحة من تصب هذه العمليات الإرهابية؟ وأي أجندة سياسية تخدم في نهاية المطاف؟ والسؤال الأهم من هذا وذاك، ماذا ستكون تداعيات وتبعات هذا الأمر على الصعيدين التكتيكي والإستراتيجي؟ بكلمات أخرى، إلى أين سيوصلنا هذا الوضع؟ ألا تعتقدون أن هذه العمليات الإرهابية تفتح الأبواب على مصراعيها أمام القوة المعادية للأمة، وفي مقدمتها رأس حربة الإمبريالية في العالم، الولايات المتحدة، ومن بعدها القارة العجوز، أوروبا، لاستغلال وانتهاز الفرصة لمواصلة تفتيت الدول والمجتمعات العربية تحت مسمى الدفاع عن الأقليات المسيحية في الشرق، هذا السؤال يتحول إلى سؤال جوهري في ظل تنامي ظاهرة تفكك الدول العربية، مثل السودان ولبنان واليمن، ناهيك عن العراق الممزق طائفيا ودينيا وعشائريا وإثنيا.مضافا إلى ذلك، علينا أن نواجه بجرأة واستقامة فكرية التساؤل التالي: هل ارتقت الأمة العربية إلى مستوى الحدث؟ هل واجهت العملية الإجرامية كما يجب لتوجيه رسالة للإرهابيين ومن أرسلهم بأن هذه الأعمال مرفوضة جملة وتفصيلا، وأن أكاذيبهم لم تعد تنطلي على أحد؟ الحقيقة المرة، أننا وللأسف الشديد فشلنا، فلو جندنا قانون نيوتن في عالم الفيزياء القائل، إنه لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه، لوجدنا أن بيانات الشجب والاستنكار التي صدرت عن فعاليات سياسية ودينية عديدة في الوطن العربي هي عمل ايجابي، ولكنه ليس كافيا بالمرة، كنا نتوقع أن تعم المظاهرات المنددة بهذا العمل الجبان العواصم العربية من المحيط إلى الخليج، لتوجيه رسالة حازمة وقاطعة إلى المجرمين بأننا لا ولن نسمح لهم بتجيير الدين الإسلامي لتحقيق مآربهم البعيدة كل البعد عن الدين وعن مصالح الأمتين العربية والإسلامية، ردة الفعل الجماهيرية على تفجير الكنيسة كان باهتا للغاية، الأمر الذي قد يدفع هؤلاء المجرمين إلى ارتكاب أعمال إرهابية أخرى ضد المسيحيين في الشرق، وهنا المكان وهذا الزمان لإطلاق صرخة مدوية: اليوم يتم استهداف المسيحيين، وغدا أو بعد غد سيتم استهداف العلمانيين من أبناء الأمة العربية، لأن القوى الإسلامية المتزمتة تستمد شرعيتها أيضا من نفي الآخر وحتى تكفيره، وهذه الجماعات والتنظيمات التي تزعم تمسكها بتعاليم الدين الإسلامي تنسى أو تتناسى أنه لا إكراه في الدين. وهناك قضية أخرى ملحة يتحتم علينا أن نتطرق إليها بوضوحٍ ونقاءٍ فكري كي لا نتهم بمحاباة هذه الحركة أو تلك، شريطة طرحها بصراحة أكثر من متناهية: تصوروا ماذا كان سيحدث لو أن إرهابيا غربيا من ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا نفذ هجوما إرهابيا ضد عرب أو مسلمين كانوا يؤدون صلاتهم في المسجد؟ لو حدث هذا الأمر، لكنا أقمنا وبحق الدنيا ولم نقعدها، ولكن لماذا التعامل بمكيالين: لماذا لا نتظاهر ضد الإرهاب الذي يمارس باسم ديننا، في عقر دارنا وضد شرائح كبيرة من مجتمعنا، في الوقت الذي تقوم به تنظيمات غربية مختلفة ومتنوعة بالتظاهر ضد جرائم الاحتلال في العراق وفلسطين؟ لماذا لا نمتلك الجرأة لكي نقول للأعور انت أعور؟ حتى متى سنواصل التغاضي عن العنف الذي يقودنا إلى المزيد من التخلف، أو الإرهاب الذي يشوه صورتنا في العالم، وهي الصورة المشوهة أصلا، مشوهة قلبا وقالبا.ذكرنا آنفا أن هناك العديد من الدول العربية تعاني حالة من التفكك، ولكي نضع الإصبع على الجرح النازف في محاولة لوقفه نرى ان من واجبنا الأخلاقي والوطني التحذير من أن مواصلة الإرهاب باسم الدين ضد الأقليات المسيحية وغيرها في الشرق الأوسط قد يدفعنا إلى وضعٍ جديدٍ وخطيرٍ للغاية، يؤجج حالات تفتيت المجتمعات والدول: فأقباط مصر أكبر الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط وإحدى أقدم هذه الطوائف، ويقدر عدد أفراد هذه الطائفة عموما بما بين 6 و10 بالمئة من 80 مليون مواطن مصري، وتقول الكنيسة القبطية إن عدد أتباعها هو عشرة ملايين شخص. وهم بالمناسبة ليسوا عابري سبيل في مصر أو ضيوفا في هذا البلد، بل هم من سكان الأرض الأصليين، وبالتالي تخيلوا لو أن الأقباط، لا سمح الله، في ظل تنامي العنف ضدهم وتأجيج الطائفية لديهم من قبل أبناء جلدتهم، قرروا تبني النهج القائل بضرورة إقامة الدولة القبطية في مصر للدفاع عن أنفسهم.. تصوروا كيف أن عصابة المنافقين الأوروبية واليمين المسيحي المحافظ في أمريكا سيقومان بدعم هذا التوجه الذي يخدم مصالح الإمبريالية التي تعمل بكل قوة لهدف زرع بذور الفتنة الطائفية وغيرها في العالم العربي، لصرف الأنظار عن الجرائم التي تنفذها، ويقدم خدمة مجانية للصهيونية الخبيثة التي لا تألو جهدا لتمزيق العالم العربي.وننهي بالقول: يتحتم على الأديان إيجاد السبل لتطوير مبادئها وتعاليمها مع تقدم الحياة والمعرفة والعلوم الإنسانية كي تزاحم وتوقف نفوذ وتأثير الفكر المادي على الإنسانية، ويجب أن لا تكون هذه المبادئ الجديدة مبنية على البرهان الهش مثل ترقيع أو ترهيب أو خداع أو التشجيع على الاستشهاد عبر حروب مقدسة ضد معارضيها، بل يجب أن تكون براهين مقنعة وواقعية، تتماشى وتتناسب مع متطلبات الحياة في الوقت الحاضر، وتشيع العدالة المطلقة بين البشر، بغض النظر عن وجود اختلاف مع الآخر في الدين أو العرق أو الشكل أو الجنس، كذلك يجب أن تكون هذه البراهين مفتوحة أمام النقد والبحث والتقصي من قبل العلماء والفلاسفة، وبخلاف ذلك، تصبح مقولة كارل ماركس (الدين أفيون الشعوب) حقيقة واقعية لأي دين مهما كان عدد مؤمنيه أو عمق فكره أو درجة الاستعداد للدفاع والتضحية من أجله. كاتب فلسطيني