"وضع جديد" عبارة قصيرة تتداولها أوساط الخارجية الأميركية مؤخراً خلال اللقاءات التي تجمع وزيرة الخارجية الأميركية او أحد أركانها مع نظرائهم العرب، "وضع جديد" يميز العام الأخير الذي يمكن للرئيس الاميركي أن يلعب دوراً في السياسة الخارجية قبل العام الأخير لولايته الأولى، والذي يتميز بعدم الفعالية بالنظر الى بدء الحملات الانتخابية للرئاسة الأميركية. في هذا السياق لم يكن من الممكن التعرف على المقصود بـ "الوضع الجديد" إزاء العملية التفاوضية على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي، أو طبيعة التحرك الأميركي "الجديد" بهذا الاتجاه، لم يتبرع أحد بتفسير هذه العبارة القصيرة وبالمقصود من إشاعتها وتداولها في السوق السياسية "الجديدة" ، ورغم أن مثل هذا المصطلح يعاد طرحه بعد كل انسداد في العملية التفاوضية، ويتبين فيما بعد أن لا جديد فعلاً سوى الدوران في نفس دوامة الاستعصاءات الاسرائيلية المتكررة والمعرقلة لإطلاق عملية تفاوضية جادة، وتكرار التراجع الأميركي وفشل إدارة اوباما في الضغط على الجانب الاسرائيلي المعرقل لهذه العملية، إذ لا جديد في ذلك رغم تكرار هذه الكلمة التي باتت بلا معنى او دلالة."الوضع الجديد" عبارة قيلت للسفير الأردني في واشنطن ولعدد من المسؤولين في الخارجية المصرية، كما استخدمها المبعوث الأميركي جورج ميتشل لدى اجتماعه الأخير مع الرئيس محمود عباس الذي أعرب عن استغرابه واستفساره متسائلاً: "لماذا أكثر أصحابنا الأميركيون من تكرار عبارة الوضع الجديد كما جاء في بعض وسائل الإعلام العربية، وحتى الآن لم يتبرع أحد، او يجهد أي سياسي في سبيل تفسير هذه العبارة الغائمة والمبهمة".وإذا تطلعنا الى ما حولنا، لاكتشاف ما هو جديد، فإننا لن نلحظ أي جديد فعلاً، بل مجرد تأويلات وتكرار لما كان جديداً ذات مرة، بما في ذلك عودة الحديث عن "الخيار الأردني" وهو خيار يكاد لم يغادر السوق السياسية، يفتر حيناً، ويعلو حيناً آخر، خاصة عندما تتأزم العملية التفاوضية، ومع أن هذا الخيار، مرفوض تماماً من كافة أطرافه، مع ذلك، فإننا في الآونة الأخيرة، نلاحظ عودته بقوة الى الساحة السياسية، خاصة وأن هناك من فسر عبارة "الوضع الجديد" بتلاشي فكرة "دولتين لشعبين" وأن الوضع الجديد، ربما يقصد منه، الخيار الأردني، وقد انتعش هذا الرأي بعدما تداولت بعض الأوساط السياسية والإعلامية إشارات وأقوال مروان المعشر وزير البلاط الأردني السابق، والباحث المتخصص في معهد كارلينغي للسلام في الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية واشنطن، بسقوط حل الدولتين، ومن المعروف أن المعشر، أحد أهم الخبراء العرب بالسياسة الأميركية والمقرب من أدوات صنع القرار في واشنطن، الا أن ربط هذه الإشارة بالوضع الجديد والخيار الأردني، جاء من جديد – قديم رئيس الجانب التفاوضي الاسرائيلي غيورا آيلاند، بعدما نشر مركز بيغن – السادات للأبحاث الاستراتيجية مؤخراً عرضه المتجدد حول "حل إقليمي" للوضع الفلسطيني تشارك فيه مصر والأردن، بحيث ترتبط الضفة الغربية بالأردن، بينما يرتبط قطاع غزة بجمهورية مصر العربية. آيلاند، وكما قلنا رئيس الجانب الاسرائيلي المفاوض، يعتبر هذا الحل أفضل من حل الدولتين، واشارتنا حول منصب آيلاند، للتأكيد على انه كان يفاوض على خيار دولتين لشعبين من حيث الشكل، اذ لم يكن في ذهنه سوى إفشال هذا الخيار لصالح أفكاره ذات الطبيعة الإقليمية للحل من حيث العودة الى ما يسمى بالخيار الأردني!!ولا يمكن الادعاء أن آيلاند هو صاحب فكرة الخيار الأردني، الا أنه هو الذي تبنى هذه الفكرة في السنوات القليلة الماضية، وهو صاحب براءة الاختراع هذه، عندما أقدم على وضع تفاصيل دقيقة لتنفيذ هذا الخيار متجاوزاً سابقيه الذين اكتفوا في معظم الأحيان بالقول ان وطن الفلسطينيين في الأردن شرقي النهر، بينما يعرض آيلاند "سيناريوهين" للخيار الأردني، الأول يضم الضفة الغربية وحدها للأردن، بينما يلتحق قطاع غزة بمصر، في حين ان السيناريو الثاني يقوم على قيام كونفدرالية أردنية فلسطينية تضم الضفة الغربية وقطاع غزة، حسب نظام الولايات المعمول به في الولايات المتحدة وألمانيا الاتحادية، وطرح هذه الأفكار مجدداً مع الحديث عن سقوط خيار الدولتين، واعتراف أميركا بفشلها في إطلاق العملية التفاوضية والحديث عن الوضع الجديد، كل ذلك ترافق مع خطوة اعتبرها البعض عملية، عندما كشف النقاب عن ان الطريق الدولي الذي تموله الولايات المتحدة والذي يربط شمال الأردن، وتحديداً جرش وعجلون بمنطقة الأغوار، ان الخطة الأصلية لهذا الطريق، تشير الى انه سيصل الى حيفا مروراً بالضفة الغربية، وهو الطريق الذي يقال انه إشارة الى الأبعاد الاقتصادية للكونفدرالية التي أشار اليها آيلاند في عرضه لمشروعه كما جاء في الدراسة التي نشرها معهد بيغن – السادات بالتوافق مع ما يقال حول سقوط حل الدولتين وانتعاش الخيار الأردني.ولم يكن ذلك كافياً لدى بعض المحللين في تفسير الوضع الجديد بالخيار الأردني، وجاءت الزيارة السرية التي قام بها قبل أيام قليلة مستشار الأمن القومي الاسرائيلي عوزي أراد الى العاصمة الأردنية عمان وعقده لقاءات وصفت بالسرية مع وزير الخارجية ناصر جودة ووزير البلاط الملكي ومستشاري العاهل الأردني الملك عبد الله، وهذه الزيارة السرية لم يكشف النقاب عنها سوى من خلال بعض وسائل الإعلام التي أشارت الى أن لهذه الزيارة علاقة بالدعوة التي وجهها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للملك عبد الله لزيارة طهران، كما أن لها علاقة على الأرجح بالزيارة التي سيقوم بها نتنياهو للاجتماع مع الرئيس حسني مبارك في شرم الشيخ غداً الخميس، والأمر هنا يتعلق بإطلاق العملية التفاوضية، مع ذلك وجد بعض المحللين ان هذه الزيارة تتعلق بما أشيع حول إحياء الخيار الأردني، وذلك ان علاقة الأمر بإيران او بالعملية التفاوضية تقتضي زيارة وزير الخارجية ليبرمان، وبسبب كونه شخصية غير مرغوب فيها، فبالإمكان إسناد الأمر الى باراك، الذي قام عملياً بدوره كوزير خارجية في أحيان عديدة، من هنا جاء الربط من قبل البعض بين زيارة عوزي أراد السرية لعمان وبين ما يقال حول إحياء الخيار الأردني.ونعتقد ان هذه الزيارة مرتبطة أشد الارتباط بأجواء التوتر التي سادت العلاقات الأردنية – الإسرائيلية بعد الاحتجاج الرسمي الذي وجهته عمان لحكومة نتنياهو، إثر عقد مؤتمر نظمه عضو الكنيست عن الليكود آرييه الداد ، مطالباً باعتبار الدولة الفلسطينية قائمة فعلاً بالأردن(!) خاصة وأن السياسي الهولندي غيرت فيلدرز الذي حضر هذا المؤتمر، طالب بلاده بسحب اعترافها باستقلال الأردن تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية بدلاً منها.ولا نعتقد أن هناك شيئاً حقيقياً حول إحياء الخيار الأردني، بل ان الأمر واشاعته يتعلق بزيادة الضغط على الجانب الفلسطيني بالتلويح عن وجود بدائل لانسداد العملية التفاوضية من قبل اسرائيل وربما الولايات المتحدة. الطرفان المعنيان في هذه المعادلة الأردن وفلسطين رفضا على الدوام هذا الخيار باعتباره اللاخيار.