ملف "الانجاز" للطالب والمعلم، عنوان يبدو مثيرا للإعجاب بمستوى التطور التعليمي الذي وصلنا إليه في قطاع غزة.هذا في الظاهر، أما عند الممارسة اليومية، والاطلاع التفصيلي على مضمونه ومتطلباته، فإنه يكشف مدى تفتق العقل الفلسطيني على النفاق الذي ضرب كل مناحي حياتنا حتى وصل إلى الصرح التعليمي.أي انجاز هذا يا وزارة التربية والتعليم، الذي يعتمد على جهود الآخرين، أبحاث منقولة عن الانترنت حرفياً، وأعمال فنية يقوم بشراءها الطلبة من الخطاطين والحرفيين بالمال؟؟. لعلكم تحملون الطالب مسؤولية ذلك، نعم أنتم محقون، فالطالب الذي يقضي أكثر من نصف نهاره في المدرسة، ويعود محملاً بعشرات الواجبات الدراسية اليومية من نسخ، وحل، وحفظ، وتحضير، عليه أن يقوم بالتفتيش بين مجامع الكتب عن مواضيع مطلوبة بعينها في عناوين مثيرة للاعجاب والذهول من البراكين والزلازل، الى الحمض القاعدي ....الخ.ثم عليه أن يمتلك جهاز كمبيوتر وطابعة كي يستطيع أن ينسق بحثه، ويطبعه بعد أن يضمنه في حدود وأشكال جميلة. كما عليه أن يقوم بعمل منحوتات خشبية، ومطرزات فلسطينية، وبطاقات كرتونية، وكل ما يمكن أن تجود به مخيلة المعلم الذي تعلو درجاته في السلم التعليمي بتميز طلبته وملفات انجازهم.عندما كنت في المدرسة، وهي بالمناسبة إحدى مدارس "أونروا"، أي غير حكومية، كان لدينا مكتبة، وكانت تزخر بعشرات الكتب والقصص، الا أنه لم يكن يسمح لنا بزيارتها أو استعارة الكتب منها الا قليلاً، فالمحافظة على المكتبة والكتب كانت أهم من أن نتداولها ونتعلم منها. اليوم، تغيب المكتبات عن الصورة، ليحل محلها أجهزة كمبيوتر، وعالم واسع من المعلومات الصحيحة والخاطئة المتناثرة عبر الشبكة العنكبوتية المسماة "انترنت"، ومن الجيد أن ينتقل طلبتنا الى هذا المستوى الحداثي، ولكن أين نحن من هذا العالم، وماذا جهزنا لنكون جزءاً منه؟؟..سؤال لا تبدو الاجابة عليه عسيرة؟؟، فرغم أن معظم المدارس لا تخلو من معامل للكمبيوتر (بواقع معمل لكل مدرسة) الا أنها غير موصولة بشبكة الانترنت، كما أنها ليست متاحة للطلبة للبحث بانفسهم عن الموضوعات المطلوبة، علاوة على أن معظمها (بحسب معلمين مطلعين) في حالة بائسة تقنياً.إن مكمن أهمية أي بحث هو في انجازه بايدي الباحث، يستكشف، وينقب، ويستخلص، ويستفيد، وربما يكتشف شيئاً جديد ومفيد. إذا ما هي أهمية ودواعي ملف انجاز الطالب، ان كانت المعلومات التي يضعها فيه ستبقى أسيرة الملف؟؟ .. فمن ناحية الطالب لا يجمعها، ولا يقرأها، ولا ينقحها، ولا يناقشها مع المعلم على سبيل المثال ليستفيد من المعلومات الصحيحة والخاطئة في الوقت نفسه.إن ما أثار فيّ رغبة الكتابة في هذا العنوان، هو الطلب الأخير الذي طلبته معلمة شقيقتي التي تدرس في المرحلة الثانوية، "النحت على الخشب".أود أن أسألها وقد عرفت أن هذه الطلبات منتشرة في كل المدارس الحكومية وليس فقط في مدرسة شقيقتي، ما الذي ستستفيده شقيقتي، أو معلمتها، أو مدرستها، أو النظام التعليمي كله من طلبات من هذا النوع غير مستندة الى مواهب حقيقية لدى الطلبة؟؟... فمن الجيد تطوير المواهب، ولكن توقع تفتقها من كل الناس أمر مستحيل.اذا الحل هو شراء منحوتة من النجار، الا أنه حل سيكلف مالاً كثيراً، وهناك حل مبتكر أكثر وأقل تكلفة يقوم بتأمينه الخطاطون بالحفر على الكرتون المقوى، وتلوينه بشكل يبدو وكأنه مصنوع من الخشب، وللعلم فإن سعر القطعة الواحدة من هذه المنحوتات المزيفة لا يقل عن خمسة عشر شيكل، كما أن طباعة كل بحث سيكلف في المتوسط ثلاثة شواكل.اختم مقالتي، بدعوة وزارة التربية والتعليم لاعادة النظر في جدوى هذا العبء الجديد. ارحموا أولادنا، يكفيهم وأولياء أمورهم المناهج الصعبة، والمتطلبات الدراسية الكثيرة، لا ينقصنا انجاز كاذب.