الصخب الصهيوني حول جاهزية الدولة العبرية لشن حرب شاملة وقاسية على سورية ولبنان واستطرادا إيران توقف بشكل مفاجئ، وبدأ التراشق بين أحزاب وشخصيات العدو يطغى على ما عداه. وبالتزامن مع ذلك وتناغماً معه توقف المسعى الأمريكي الجدي لتحريك عملية السلام المتعثرة بسبب الرفض الإسرائيلي لكل نداءات السلام والتوقف عن بناء المستوطنات. في تفسير الحالة التي وجدنا أنفسنا أمامها والمرشحة للامتداد على مساحة زمنية كبيرة لابد أن نستحضر تاريخ المساعي الأمريكية في هذا الاتجاه للتدقيق واستخلاص الاستنتاجات الملائمة للتعامل مع المرحلة القادمة وتعقيداتها المتنوعة. الأمريكيون لا يختلفون عن باقي البشر في العمل بكل الوسائل على تأمين مصالحهم سواء كان هذا الأمر يقع في الشرق أو في الغرب، والأمريكيون لا يتورعون عن استخدام كافة الإمكانيات المتاحة لهم في هذا السبيل بما في ذلك القوة الغاشمة والخداع والكذب وغيرها من الموبقات التي مارستها أمريكا على امتداد العقد المنصرم، وقد انعكس السلوك الأمريكي سلباً على القضية الفلسطينية وإمكانية صنع سلام عادل ومشرف في المنطقة حيث قامت الحكومات الأمريكية المتعاقبة ورؤساء الدولة الأقوى في البيت الأبيض بكل ما من شأنه خداع الشعب الفلسطيني وقيادته بوعود كاذبة لم يتحقق منها أي وعد، وعلى سبيل المثال لا الحصر قدم بوش الابن وعداً كرره عدة مرات بإقامة دولة فلسطينية على حدود 67 ولم يفعل. كما قدم وعداً بإرغام الدولة العبرية على وقف الاستيطان أو تجميده في سياق استجلاب الفلسطينيين للمفاوضات ولم يفعل. وبتنشيط الذاكرة قليلاً سنكتشف أن مثل هذه الوعود والآمال قد قيلت على لسان الرئيس كلينتون ومن قبله جورج بوش الأب، بل ويمكن الحديث في هذا الشأن عن فترة ما قبل مؤتمر مدريد الشهير والذي علقت عليه آمال عريضة في تحقيق سلام عادل ومشرف وكان شعاره "الأرض مقابل السلام" شعاراً جذاباً عاش عليه المخدوعون سنوات عديدة. في عهد الرئيس الأمريكي من أصول إفريقية باراك أوباما والذي ينتمي والده وجدته للديانة الإسلامية مورس علينا الخداع الأكثر إيلاماً، ورغم كل التحذيرات التي أطلقها مئات المتابعين من كتاب ومحللين وباحثين وغيرهم حول وعوده الكاذبة وعدم قدرته على تحقيقها وبالتالي اللجوء لطرق أخرى بخلاف الجري وراء سراب المفاوضات برعاية الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن كثيراً من قادتنا عرباً وفلسطينيين أبقوا رهانهم على تلك الوعود وبتنا اليوم أمام معطيات جديدة وصعبة. اليوم أصبحنا في حاجة لجهد أكبر بكثير ليس لتعديل مسارات خاطئة وملتوية بل ولفهم أعلى لطبيعة الصراع في المنطقة وإعمال العقل في البحث عن مخارج آمنة لمأزقنا الراهن. في هذا السياق لابد من إدراك الأسلوب الأمريكي ومقاربات المفكرين والباحثين والساسة الأمريكيين لتداخلات المصالح والعقد المستعصية في المنطقة والعلاقة بينها في كل مرحلة من مراحل تجلياتها العديدة والمتنوعة، وعليه يمكن الربط بين أزمة المنطقة منذ عام 1967 وقيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1987 والتي لا يمكن فهم مقدماتها وصيرورتها دون فهم تأثير السلوك الصهيو-أمريكي عليها والظلم الذي ألحقته بالشعب العربي (والفلسطيني خاصة) ولا تزال إدارات البيت الأبيض المتعاقبة. إن أزمة الملف النووي الإيراني لم تكن معزولة طوال المفاوضات المباشرة وغير المباشرة عن سياق التكتيك الأمريكي في الإقليم، ولا شك أن إيران بملفها النووي وعلاقاتها المتشابكة في المنطقة وقدرتها على تطوير دورها وأدائها كانت العامل الأكثر أهمية في تعرجات السياسة الأمريكية بما في ذلك فشلها في تسويق رؤيتها لترتيبات الحل السلمي بالمنطق الصهيوني. الملاحظ أن تخلي الإدارة الأمريكية عن دورها في رعاية الحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين كما تخليها عن وعد الدولة الفلسطينية المستقلة، والأخطر والأكثر دلالة تخليها عن ممارسة أي ضغط على الكيان الصهيوني فيما يتعلق بالاستيطان وغيره من محددات الاستمرار في طريق السلام ارتبط مباشرة بعودة المفاوضات بين إيران ودول "الثمانية زائد واحد" لفكفكة عقدة الملف النووي الإيراني وإيجاد صيغة مقبولة لمعالجة الأزمة، وكانت أمريكا قد سعت سابقاً لاجتذاب العرب لموقف معادي للجمهورية الإسلامية تمهيداً لضربها بعد أن حاصرها الغرب طويلاً ولم تفلح. المرجح أن تقوم الولايات المتحدة باستعادة نشاطها ودورها في البحث عن حل للمشكلة الفلسطينية فور عودة التوتر الحاد وانغلاق أفق الحل مع إيران، وهكذا دواليك. ربما تبرز معضلة أخرى في المنطقة تشكل خطراً على مصالح أمريكا بالمعنى الآني المباشر وهنا ستعود الإدارة الأمريكية جمهورية كانت أو ديمقراطية لذات التكتيك لتحشيد عربها وراء مصالحها وسياستها لمعالجة المعضلة الجديدة. أزمة الشرق الأوسط لن تحل طالما بقيت أمريكا هي راعية هذا الحل ويجب أن تفهم قياداتنا العربية والفلسطينية هذا الأمر وتكيف برنامجها وتكتيكها تبعاً لهذه الخلاصة. Zead51@hotmail.com