قدمت اسرائيل خلال الايام الماضية وعبر تصعيدها الدموى والمتغطرس تجاه غزة فكرة عامة عن تكتيكها السياسى الامنى وكيفية مقاربتها للتحديات التى تواجهها ان فى فلسطين او فى المنطقة بشكل عام .غارة الاحد الماضى الدموية هدفت ضمن امور اخرى الى التركيز على خطر القاعدة فى قطاع غزة وثمة عمل اسرائيلى منهجى ومتواصل لاستفزاز الجماعات السلفية الصغيرة وتضخيم نشاطها وثقلها بغرض لفت الانتباه الدولى الى تواجد للقاعدة فى غزة وبالتالى الايحاء بان ما تفعله اسرائيل او بالاحرى ما ترتكتبه من جرائم مماثل لما تفعله امريكا وحلف الاطلسى فى افغانستان –باكستان علما ان ثمة سعياً لاعادة المصطلح سيىء الصيت من عهد بوش الابن –الحرب على الارهاب- والتاكيد ان اسرائيل منخرطة جديا فى هذه الحرب وهى طبعا الى جانب الاخيار فى مواجهة حلف الاشرار الممتد من غزة الى قندهار ووزير ستان .بعد غارة الاحد والجماعات السلفية المتمردة والخطر الكبير القادم من غزة ظلت اسرائيل فى نفس السياق ولكن عبر الترويج لرواية صاروخ الكورنيت المضاد للدروع وهى بالغت فى الامر ليس فقط فى السياق الفلسطينى وانما ايضا فى السياق الاسرائيلى الداخلى ايضا فى السياق الفلسطينى ثمة تضخيم لقدرات المقاومة لتبرير ما ترتكبه حاليا من جرائم ولخلق بيئة مناسبة لاى عدوان مستقبلى تحت عنوان منع المقاومة من الحصول على اسلحة تخل بالتوازن وفق التعبير الاسرائيلى الشائع وكانها تضع الكورنيت السلاح البسيط والفردى فى نفس سلة الصواريخ البعيدة المدى من سكود وخلافه اما فيما يتعلق بالداخل الاسرائيلى فثمة عمل على توفير مزيد من الميزانيات للجيش خاصة فيما يخص الانظمة المتعلقة بالصواريخ المضادة للدبابات كما ان اشاعة اجواء حربية يعنى حصد المزيد من الاموال و منع اى نقاش جدى حول الميزانية الامنية المتضخمة على حساب المتطلبات الاجتماعية الاخرى من تعليم وصحة ورفاه .الغطرسة الاسرائيلية وصلت الى حد الادعاء ان التصعيد الدموى يهدف ايضا الى حماية التهدئة السائدة فى غزة ومحيطها منذ عدوان الرصاص المسكوب و السعى فى السياق الى تاجيج التباينات الداخلية الفلسطينية عبر التمييز بين طرف حريص وملتزم بالتهدئة واخر متمرد او غير ملتزم بها وهنا ثمة ايحاء غير مباشر ان المشكلة ليست عند اسرائيل واحتلالها وجرائمها وانما عند الشعب الفلسطينى والمقاومة المتمردة على التفاهمات غير المعلنة وغير المباشرة التى تم التوصل اليها بعد حرب غزة الاخيرة . فى سياق اوسع وابعد من غزة تحاول اسرائيل ممارسة سياستها التقليدية وصرف الانتباه عن جمود عملية التسوية وتعثر المفاوضات وحتى فرملة الاندفاع الدولى للاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود حزيران او رفع مستوى التمثيل الديبلوماسى الفلسطينى والتركيز على الانقسام والتباعد بين الضفة وغزة وحتى تحول هذه الاخيرة الى ماوى امن للقاعدة والمتماثلين معها فكريا وسياسيا .شكل من اشكال الوقاحة الاسرائيلية نجده ايضا فى الشكوى التى تقدمت بها تل ابيب الى مجلس الامن الدولى والتى اشارت الى اطلاق مئات الصواريخ ضدها خلال العام 2010 مع تجاهل قتل الجيش الاسرائيلى لستين مواطنا فلسطينيا خلال العام الحالى نفسه وتناسي الحصار غير الشرعى وغير الاخلاقى والتعمية على الاحتلال غير المباشر لقطاع غزة والذى يعطى الشعب الفلسطينى الحق فى مقاومته بكافة الوسائل المتاحة والممكنة .لابد من الاشارة الى ان التصعيد الاسرائيلى -والغطرسةالمصاحبة له - يستفيدان بشكل رئيسى من الانقسام الفلسطينى بين الضفة وغزة كما من التباينات السياسية والتنظيمية فى هذه الاخيرة حيث لا توافق بشكل كامل على مبدا التهدئة ناهيك بكيفية والية الرد على الخروقات الاسرائيلية ما يعبر فى الجوهر عن الافتقاد الى استراتيجية فلسطينية تكرس الوحدة السياسية والجغرافية الفلسطينية بمعنى ان غزة محررة بشكل جزئى ومحتلة بشكل غير مباشر وكما قال السيد محمود الزهار منذ فترة –غزة تحررت وبالتالى لا مقاومة فيها وساحة المقاومة الرئيسية هى الضفة الغربية- وهو كلام صحيح نسبيا غزة لم تتحرر بالكامل غير ان ازالة الحصار والاحتلال غير المباشر لا يتمان بادوات عسكرية وانما عبر نضال سياسى واعلامى وقضائى وقانونى والضفة هى ساحة المقاومة المركزية غير ان الامر هناك يستلزم التوافق و انهاء الانقسام الحالى علما ان التصرفات الاسرائيلية تدفع باتجاه الوحدة الميدانية لمواجهة الاستيطان والتهويدعلى ان يخلق ذلك سيرورة و بيئة مؤاتية للوحدة السياسية اذا لم يتم ذلك فسوف تواصل اسرائيل استعراضها الدموى وغطرستها وتاجيج اجواء العنف واستغلال الخلافات والتباينات الفلسطينية والعربية لحصد المزيد من المكاسب وصرف الانتباه عن الاحتلال بوصفه الجذر الرئيس لحالة عدم الاستقرار والفوضى فى فلسطين والمنطقة . مدير مركز شرق المتوسط للاعلام .