لا مكان برايى للشماتة تجاه حرائق الكرمل لعدة اسباب منها ان لا شماتة تجاه المعاناة الانسانية والكوارث القدرية والاهم اننا يجب ان نتصرف فى كل الاحوال كام الصبى وبالتالى فان ما احترق ودمر من موارد طبيعية هو ثروات فلسطينية يستغلها الاحتلال بشكل غير قانونى وشرعى وستعود حتما الى اصحابها الشرعيين.بعد هذه المقدمة الضرورية يمكن وضع حرائق الكرمل فى سياقها المنظوماتى و السياسى والاستراتيجى والخروج بالملاحظات الاساسية التالية:-كشفت الحرائق عن التعولم الثالثى لاسرائيل البطىء ولكن التدريجى والمتواصل حيث اتضح القصور فى اداء المؤسسات الحكومية لوظائفها وطغيان الترهل والبروقراطية فى ادائها والتنازع على الصلاحيات والميزانيات مع اهمال الاستعداد العملى والدؤوب لمواجهة الاخطار والكوارث المحتملة .-فضح قصور الكرمل كذلك حقيقة الجبهة الداخلية الاسرائيلية ورغم المناورات الشاملة وملايين الدولارات التى صرفت لتحسن جاهزيتها اتضح ان تلك المناورات-وعلى طريقة العالم الثالث-هى للاستهلاك الداخلى ولم تؤثر ايجابا على الوضع المهترىء للجبهة التى تبدت فى اسوا اوضاعها خلال حرب تموز 2006 بينما اكدت الحرائق الاخيرة انها لم تتحسن بشكل جدى او جوهرى. فى اسرائيل جيش يمتلك دولة وليس العكس هذه العبارة كانت وما زالت صحيحة فالجيش يحوز على نصيب الاسد من الميزانية ويمتلك ترسانة هائلة من الاسلحة التقليدية وغير التقليدية على حساب الصحة والتعليم والخدمات والرفاه الاجتماعى وزير المالية الحالى يوفال شتاينتس وصف ذات مرة الوضع على النحو التالى- تخمن الميزانية العسكرية على حساب البنود الاخرى فى الميزانية يعنى ان الطائرة ستحلق وتحلق الى ان تتحطم ذات يوم- التحطم شاهدناه طبعا فى حرائق الكرمل وافتقاد اسرائيل نتيجة لمشاكل فى الميزانية للاجهزة والعتاد اللازم لاطفاء حريق اندلع رغم ضخامته فى بقعة جغرافية محددة .-اسرائيل دولة صغيرة رغم الصخب السياسى والاعلامى ورغم الترسانة الحربية الهائلة التى تمتلكها الا ان اداءها فى مواجهة الحرائق و اضطرارها لطلب المساعدات حتى من دول صغيرة نسبيا –مثل قبرص – اثبت انها دولة صغيرة وليست محور الكون والعالم كما يحلو لقادتها تصوير دولتهم . غير ان الاهم فى ما يتعلق بحرائق الكرمل يتمثل بالتداعيات الاستراتيجية على قوة الردع الاسرائيلية ونظرة اعدائها اليها وهو ما تبدى فى تساؤل عديد من المعلقين عن طبيعة الوضع فيما لو اندلعت حرب وانهالت الصواريخ على مختلف المناطق واشتعلت الحرائق فى اماكن مختلفة ومتباعدة واستنتاجات بعجز اسرائيل فى الحقيقة عن شن حرب جدية ضد جيرانها فى ظل الواقع الحالى المزرى للجبهة الداخلية . وبالتالى فقدان قدرة الردع التقليدية فى مواجهة الاستعداد المستمر والقوة المتصاعدة لحركات المقاومة وداعميها فى المنطقة .-فى المحصلة الاستراتيجية اظهرت الحرائق والدروس المستفادة منها ان لا سبيل امام اسرائيل غير قبول التسوية ولو بالحد الادنى المطلوب فلسطينيا وعربيا- وانها وحدها قادرة على توفير الامن والسلام لها وللمنطقة غير ان ذلك لا يبدو واقعيا فى ظل الانزياح المستمر للشارع نحو اليمين والتعصب والعنصرية كما فى ظل الحكومة الاكثر تطرفا التى ما تزال تؤمن بالقاعدة التقليدية ما لم يتحقق بالقوة يتحقق بالمزيد منها وهى القاعدة التى ثبت فشلها فى الماضى ولا افاق امامها فى الواقع والمستقبل ايضا . مدير مركز شرق المتوسط للاعلام