لكليشيه "اليوم لا يمكن ان نعرف ما هو اليسار" باتت لحية طويلة. وعن حق، فقد كان الامر صعبا دائما. على مدى تاريخ الصهيونية كان الاصلاحيون في حركة العمل، ورجال حركة العمل في حركة الاصلاحيين. اليوم ايضا في اليسار يوجد من ينتمون الى الاجنحة اليمينية والمتشائمة في السياسة الاسرائيلية. الاسبوع الماضي ثبت أن استراتيجية الجنود لدى نتنياهو تحظى بتعزيزات من شخصيات يعتبرهم الجمهور يساريين. شمعون بيرس وحاييم رامون تعاونا كي يضمنا الا تعقد محادثات سلام مباشرة بيننا وبين الفلسطينيين. لماذا؟ لهذه السياسة ايضا توجد لحية طويلة. حسب التقارير من الايام الاخيرة، حاييم رامون، بتكليف من بيرس تحدث مع صائب عريقات المسؤول عن المفاوضات عن الفلسطينيين، وقال له ان عليهم ان يمتنعوا عن محادثات مباشرة مع اسرائيل. بمعنى، على الوضع الحالي ان يستمر الى أن يذهب نتنياهو الى بيته. موقف بيرس ورامون يتعارض حتى مع قرار الجامعة العربية هذا الاسبوع، والذي يوصي ابو مازن بالانتقال الى مفاوضات مباشرة اذا ما قدمت ضمانات بتجميد البناء وعودة الى حدود 67. يبدو إذن ان رجال اليسار كبيرس ورامون يتبنون سياسة معاكسة لرجال اليسار كايهود بارك، بوجي هيرتسوغ وآخرين. الاخيرون يتحدثون في صالح الانتقال الى محادثات مباشرة ويمارسون ضغطا على نتنياهو بينما رامون يضر بالمحادثات مع الفلسطينيين وبرئيسة كديما تسيبي لفني على حد سواء. الصخب الاعلامي والتخمينات التي تحاول تفسير سلوك رامون وبيرس تخطىء الامر الاساس. كلاهما كانا دوما اصلاحيين داخل العمل. فبيرس لم يؤمن منذ بداية طريقه السياسي بانه يمكن مع العرب صنع السلام، ورامون، الذي نشأ على مقربة منه، يتبنى عمليا موقفا مشابها. اليوم يتحدث الرجلان بشكل مغاير، ولكن خلف احاديثهم تختبىء ذات السياسة. منذ بداية طريقه تبنى بيرس موقفا يقضي بان "عداء العرب لاسرائيل غير قابل للتغير". وعلى مدى السنين ادعى بانه "لا خيار حقيقي للتوجه الى المستوى السياسي لتحقيق حل وسط... لا يمكن لاي حل وسط أن يرضي الارادة العربية... علينا أن نكسب الوقت". هذا هو مفهومه الاساس، الذي بموجبه عمل على مدى السنين لافشال محاولات الحل الوسط ومحادثات السلام. بيرس عارض "مشروع الون" لانهاء النزاع، وتبنى "الحل الوسط الوظيفي" الذي عارض منح حقوق وارض للفلسطينيين. هذه هي الخطة التي يؤيدها اجزاء واسعة من الليكود. وليس صدفة أن اعتبر بيرس أبا الاستيطان ومن خلف ظهر رئيس الوزراء رابين ووزير الخارجية يغئال الون اقام سبسطيا ومول "غوش ايمونيم" منذ بدايتها. على مدى التسعينيات عمل من خلف ظهر رابين واجرى محادثات موازية في ظل تجاوز رئيس الوزراء، من أجل تعزيز م.ت.ف تونس وتتويج عرفات على الفلسطينيين – خلافا لسياسة رابين. كما أن لرابين، مثلما لبيرس، يوجد تاريخ طويل من افشال خطوات سعت الى صنع سلام دائم. يمكن الادعاء، مثلما يوجد من يدعي، بان رامون وبيرس ببساطة لا يريدون ان يخيبوا أمل الفلسطينيين بانهم يعرفون من هو نتنياهو ومعه "لا يصنع السلام". اما عمليا، فاستراتيجية الجمود لدى نتنياهو، التي تسعى الى الحفاظ على الوضع الراهن، تتلقى تعزيزا من خلال الامتناع عن المحادثات المباشرة. هذه السياسة ستؤدي الى خروج العمل من الحكومة وتعزيز اليمين المتطرف. من الصعب التصديق بان سياسيين مجربين كبيرس ورامون غير عالمين بنتائج افعالهم. إذن كان هناك وستكون محاولات للنفي. ولكن الخطوة الاخيرة تواصل سياسة طويلة السنين. كما أنه حول قضية بيع السلاح لجنوب افريقيا في السبعينيات والتي عادت مؤخرا الى العناوين الرئيسة نشرت مكتب الرئيس نفيا رغم انه في حينه كان معروفا بان بيرس، وزير الدفاع حينذاك، يبيع السلاح من خلف ظهر رابين. موشيه شاريت، احد كبار قيادة حركة العمل قال: "انا ارفض بيرس جوهريا، وارى في صعود نجمه تخريبا اخلاقيا في غاية الخبث. سأبكي على الدولة اذا ما رأيته يجلس على كرسي وزير في اسرائيل". لقد عرف شاريت منذ حينه ما استغرقنا وقتا بان بيرس هو اصلاحي في حركة العمل.