لماذا الانفعال بهذا القدر للكشف عن محادثات حاييم رامون مع صائب عريقات؟ فهذه أمور تجري كل يوم؛ أينقصنا متآمرون؟ رامون هو آخر المبايين، اولئك الذين يتعاملون مع دولة اسرائيل كملك خاص لهم وعندما لا يكونون في موقع التأثير، سيفعلون كل شيء كي يؤثروا، حتى وان كان بشكل غير مباشر حتى وان كان هذا يضر المصلحة العامة؛ صحيح أن الشعب لم ينتخبهم، ولكنهم يعرفون جيدا اكثر منه ما هي المصلحة الصحيحة. يجدر بنا أن نذكر الان ايضا انباء نشرت قبل اكثر من نصف سنة وجاء فيها ان رامون التقى مع احد كبار مستشاري رئيس الولايات المتحدة براك اوباما لشؤون الشرق الاوسط، دانييل شبيرو، وقلل من اهمية التجميد ومن صدق نوايا نتنياهو. هذه الاقوال انخرطت في حينه مع رغبة محافل في الادارة الامريكية لهز الائتلاف وجلب حكومة اسرائيلية أكثر "راحة" برأيهم. بعد ذلك جاء جو بايدن الى اسرائيل وتفجرت مسألة البناء في رمات شلومو. عندها ايضا كانت شائعات عن دور رجال من اليسار في احراج اسرائيل وفي التشهير بنتنياهو. حسب شهادة المستمع الخفي، رامون اوصى عريقات بالامتناع عن محادثات مباشرة مع اسرائيل وذلك لان "هذه هي مجرد تلاعب في العينين" وعليه فانه يقترح "عدم الانتقال الى محادثات مباشرة؛ فعلى أي حال لن تحصلوا على شيء. نحن نعرف ان رامون ليس وحيدا؛ امور مشابهة سمعها ولا يزال يسمعها على نحو دائم رجال اوباما من محافل يسارية اسرائيلية. فضلا عن ذلك، امور مشابهة في روحيتها يسمعها ملايين الامريكيين والاوروبيين من نشطاء راديكاليين واكاديميين اسرائيليين، ممن يدفعون الى الامام مبادرات المقاطعة على انواعها ضد اسرائيل. رغم الفوارق المفترضة، يمكن ان نضع كل هذه النشاطات السلبية في مستوى فكري مشابه: عدم احترام رغبة الناخب في ظل خلق نزع للشرعية عن الحكومة. حسن أن مواطني اسرائيل عرفوا بانه بعد حكومة باراك في كامب ديفيد في العام 2000 حطمت حكومة اولمرت هي ايضا آخر المحظورات: حق العودة. ليس هذا نبأ جديد، ولكن يكاد لا يذكره احد. هل 30 الف ام 60 الف؟ ماذا يغير هذا في الامر. عريقات يصل هنا حتى الان الى 200 الف، ولمعرفتنا للبازار الشرق اوسطي فانه حتى الموافقة على مثل هذا الطلب الانتحاري لن يشبع الجوع السياسي والوطني للفلسطينيين. حسب القاعدة الذهبية المتبعة هنا منذ وقعت علينا اتفاقات اوسلو، فان كل مفاوضات هي مدخل وفتحة لمفاوضات اخرى تجلب معها مطالب اكثر تطرفا بدورها (يرافقها الضغط الاعلامي المعروف وبمساعدة الاوروبيين والامريكيين) ستصبح المطالب الاساس التي تشترط بها مطالب اخرى وعودة على بدء حتى نهاية الاجيال. بالمناسبة، في امر واحد رامون محق: المفاوضات لن تبدأ من نقطة النهاية المخجلة لمحادثات حكومة اولمرت مع الفلسطينيين. يوجد حد للجنون. نتنياهو وحكومته انتخبا بالضبط كي يمنعا هذا الانثناء المخجل لحكومة كديما وكي يحاولا الانقاذ لشيء ما من الضرر السياسي والامني الهائل للعقدين الاخيرين. في زمن الحصار على القدس في عهد الهيكل الثاني ذهب الزعران لاحراق مخازن الطوارىء؛ فقد ارادوا أن يخلقوا وضعا لا عودة عنه وان يفرضوا بذلك على اليهود المحاصرين ان ينطلقوا في حرب ضد الرومانيين. على مدى سنوات عديدة تحدث اليسار الاسرائيلي عن هذه القصة كمثال عن النشاط اليهودي خلف الخط الاخضر. حسنا، قصة رامون وعريقات – التي هي طرف الجبل الجليدي لتآمر اليسار – تقدم لنا مثالا اكثر حداثة. وختاما، ملاحظة اعلامية جديرة بالذكر على هامش مهزلة حاييم رامون. هذه تسلية لطيفة ان نشاهد مؤيدي كديما ومن على يساره في وسائل الاعلام يحاولون التلوي في تقاريرهم عن القضية. ومع ذلك منذ انفجار القصة بصخب كبير من على منصة وسائل الاعلام، تبرز صحيفة واحدة وفروعها بصمتها اللاذع. على الرغم من أن القضية اثارت جلبة اعلامية وسياسية كبيرة للغاية، الا ان "يديعوت احرونوت" وفرعها في الشبكة "واي نت" حافظا على حق الصمت. من المفارقات الشديدة انه بعد يوم من نشر نتائج استطلاع TGI، في الوقت الذي سمعنا من كل صوب تشهيرات ضد "اسرائيل اليوم" تحبذ الصحيفة التي كانت لها ذات يوم دولة ان تحافظ على النفوس البريئة لكرائها خشية أن تتعرض لافعال التآمر لحاييم رامون، عزيز اسرة التحرير. بالفعل، "فقط الصحافة الحرة هي الصحافة الحقيقية".