خرج بن تسيون افرسيمون وهو في الـ 21 في يوم الاثنين فجرا بصلاة الفجر في "حفات رونين"، وهي بؤرة استيطانية غير قانونية عند الصعود الى مستوطنة "هار براخا". بقيت زوجته الحامل نيلي وهي في العشرين تنام في البيت. وفي السادسة صباحا سمعت ضجيج سيارات عسكرية ومعدات ثقيلة وأسرعت الى النافذة. "قوى الشر، مئات من رجال الشرطة، دهموا المنازل العشرين في التل"، يقول والدها يوئيل نويمان، وهو أحد سكان المستوطنة المجاورة يتسهار. "قرب كل بيت وقفت مجموعة من خمس اشخاص من الشرطة الخاصة لمنع الناس من الخروج. قالوا لنيلي انهم يؤجلونها ربع ساعة لتأخذ الأشياء المهمة وتخرج من البيت. صدمها ذلك ورفضت التعاون. دخلت الشرطيات داخلا ورمينها الى الخارج بالقوة". "حوالي السادسة والنصف أتى بن تسيون من الصلاة"، يتابع نويمان. "أتى مع أناس آخرين من الكنيس. ولم يوافق هو ايضا على التعاون. بدأ الضرب. ضربوه ولم يدعوه يقترب. في تلك اللحظات صعدت جرافة فوق حظيرة ماعز أقامها عميت اورن، صديقه. نجح الرفاق في تعويقها قليلا. وفي السابعة والنصف داست الجرافات البيت ايضا. صرخوا لانهم لم يستطيعوا رؤية ذلك. عارض بن تسيون فكبلوه وضربوه وأخذوه للمعتقل. بعد نصف ساعة أصبح البيت أنقاضا. وفي المساء سافرت نيلي الى محكمة الصلح في ريشون لتسيون حيث أطالوا اعتقال بن تسيون ثلاثة ايام لأنه هاجم شرطيا. والى الان لا تستطيع نيلي التلفظ بشيء". يعمل بن تسيون في البناء. ويعترف صهره نويمان بأن الأجرة جيدة. بسبب التجميد يوجد زخم بناء كبير في المستوطنات. فالناس يهبون لاستكمال بيوت أقاموا أسسها قبل قرار التجميد. ينتظر الجميع الـ 26 من أيلول وهو انقضاء أجل التجميد، أو أنهم سيقيمون بيوتا جديدة بغير اعتراف ايضا. تعجل افرسيمون الأمر. لقد أنشأ بيته عند طرف التل في "حفات رونين" قبل نصف سنة في اثناء فترة التجميد. علم الجميع أنه يدس اصبعه في عين الادارة المدنية التي لا تريد دائما أن ترى كل ما يحدث في الميدان. وقد علم الجميع أن الدهم قريب. وأبلغت المنشورات عند مدخل المستوطنة بالخطر سلفا وطلبت من الرفاق ان يكونوا مستعدين. وتبين أيضا ان قوات الأمن علمت ما علمه المستوطنون. فدهمت ودهمت في الساعة الرابعة من صباح يوم الاثنين بيت الحاخام اسحاق شبيرا في يتسهار. كانت الحيلة التنفيذية متشابهة. فقد أحدق الجيش والشرطة والشرطة الخاصة بالمنازل في يتسهار. صحب عدد منهم الحاخام الى المبنى المعزول للمدرسة الدينية عند طرف المستوطنة، وهناك صادروا عدة نسخ من كتابه المقبح عندهم. الحديث عن كتاب "النظرية القويمة" الذي يحل في المبدأ قتل شخص من الاغيار اذا عرض اسرائيل للخطر. يزعم يوئيل نويمان والمستوطنون في الجوار ان عمل "الاوغاد" (هكذا سمى نويمان الجنود والشرط) كان منسقا. فقد أتوا الى يتسهار ليثبتوا الشبان هناك كي لا يخرجوا ويعوقوا الجيش عن هدم منزل افرسيمون. يدبر الحاخام شبيرا المدرسة الدينية "عود يوسيف حاي" المشهورة ومدراس "دورشيه يحودخا" في يتسهار. كانت المدرسة ذات مرة لصيقة بقبر يوسف في نابلس ويمكن اليوم بلوغ القبر من جبل الجرزيم فقط، أو بزيارات محروسة جيدا منسقة مع افراد السلطة الفلسطينية. اعتبر الحاخام نفسه شخصا اجتماعيا وحكيما، برغم أنه يوجد من لا يوافقونه على آرائه الشاذة. يسمونه في السامرة الحاخام ايتسك وهذا دليل على التحبب. "نتعرض مرة أخرى لاغلاق أفواه الحاخامات والمس الشديد بكرامتهم"، شكا في غضب متحدث مستوطنة يتسهار ابراهام بنيامين. وفي المساء سرح الحاخام الى بيته. الناس في المستوطنات في السامرة على ثقة اليوم أكبر بأن اعتقال الحاخام المحرض كان تحرشا لا داعي له. الرجل مع الثقاب يسكن نحو من 27 ألف شخص المستوطنات في السامرة. ويتفق جميعهم هناك على شيء واحد هو أن وزير الدفاع ايهود باراك هو القائد الاعلى لقوى الشر، وهو الشخص الذي يشعل على عمد الارض، ويحدث هذا دائما في الايام التي يشخص فيها مرتحلا الى الولايات المتحدة. إن التقارير في التلفاز والصحف الخارجية عن البيوت المهدومة هي بطاقة زيارة ممتازة لوزير الدفاع. فبهذا يبرهن لهيلاري كلينتون على انه يهدم بؤرا استيطانية غير قانونية. وبهذا يخبر شركاؤه المتحفظين من اليسار لماذا يمكث في الحكومة. يتناول باراك ومتحدثوه جميع المزاعم باستخفاف، لكنهم في المستوطنات يصرون على انه في اثناء زيارته السابقة في واشنطن في غرة أيار، هدمت الادارة المدنية ستة مبان غير قانونية في "شفيه شمرون". باراك أو غير باراك؛ إن من هدم البيت في "حفات رونين" واعتقل الحاخام شبيرا يعلم ان المنطقة ستشتعل بالسرعة المناسبة. تقع قرية بورين بين المستوطنات يتسهار وهار براخا وجفعات رونين. تاريخ أبناء هذه القرية مع المستوطنين صعب وعنيف. لا يحتاج أحيانا الى أسباب خاصة ليواجه الشباب شبان التلال. فبعد أن انصرف الجيش ومن الفور نزل المستوطنون الى قرية بورين لجباية الثمن. يبدو ان الفلسطينيين انتظروهم مسلحين جيدا، ورجموهم بالحجارة. جرح أربعة مستوطنين. نقل أحدهم وهو يهوشع انتمان الى مشفى بلنسون في وضع متوسط. وجرح فلسطينيان ايضا. وثقبت عجلات سيارة قائد الكتيبة 932 من الشبان الطلائعيين على الطريق. بدأت الارض تشتعل. في حرارة النهار أشعل فلسطينيون الحقول عند منحدرات جفعات رونين مؤملين أن تلتهم النيران البيوت التي لم يهدمها الجيش بعد. وبدأ المستوطنون يشعلون النار في غراس الفلسطينيين في المنطقة كلها. استطاع الوزراء افيغدور ليبرمان وعوزي لنداو وصوفا لاندبر الذين توجهوا في الظهيرة الى مستوطنة هار براخا أن يروا من نافذة الحافلة فيلما حربيا في بث حي. أحرقت ألسنة لهب عظيمة كل أرض خيرة في الجبل وغطى الدخان الذي ارتفع السماء. أبيدت أشجار زيتون ومزروعات في الحقول. لم تنجح سيارات الاطفاء في مواجهة مقدار اللهب. حاول مستوطنون في ساعة الضيق أن يحفروا قناة طويلة تحجب النار عن حقول خضرواتهم لكن هذا لم ينجح. كان المشهد عجيبا. وغريبا ومفارقا. فقد جرى الفلسطينيون والمستوطنون، كل واحد في حقله وحاولوا اطفاء النار. ومن انهى اولا مضى الى القطعة الثانية تاركا الجار وراءه يواجه هذه الأزمات. لو أنهم تعاونوا لوحدوا قوى الاطفاء وقضوا على النار معا. لو لم يشعلوا الثقاب لما تعبوا هذا التعب. لكن ايهود باراك كما قلنا هو الذي أشعل النار، في رأي المستوطنين على الاقل. ماذا كانت النتيجة جلست بعد الشغب مع شبان التلال على أنقاض بيت افرسيمون. بعضهم تلاميذ مدرسة الحاخام شبيرا في يتسهار. انهم رفاق شبان، ذوو قبعات كبيرة، واصباغ طويلة وصنادل من القماش وتبابين. يريدون تحطيم كل شيء لكنهم فقدوا منذ زمن الثقة بالعالم كله ولا سيما وسائل الاتصال. المشهد حولنا يثير الكآبة جدا. فأثاث البيت والفراش والألواح الخشبية وخزان الماء والبلاط المكسر وغير ذلك يحيط بالرفاق. وهم يرون الصحف خطيرة كالفلسطينيين الذين ضاربوهم قبل ذلك. "أعلم ماذا تكتبون بعد كل عملية عندنا"، يقول أحدهم في قناعة. يوجد عندكم جبال من العناوين الثابتة: "الخوف – انتقام". لا تتناولون من تضرر، والاشخاص الذين قتلهم الارهاب والعائلة والاولاد. بل الانتقام فقط. كان الحديث في البدء متدفقا لكنه غدا بعد ذلك متحفظا وأصبح في النهاية عنيفا في المستوى اللفظي. يقول الشبان إن الانفصال حطمهم، لكن الأحداث في عمونة في شباط 2006 قضت عليهم نهائيا في مستوى مشايعتهم للدولة على الاقل. يتذكرون في هذه الايام في كل مكان "الطرد من غوش قطيف" ويتحدثون عن التجميد. وقد غطيت المستوطنات في المكان بمنشورات تخوف الجمهور: "بيبي يدوس الاستيطان"، و "ويستيقظون هذه المرة في الوقت". ويقول المستوطنون ان الجيش هو الذي استيقظ هذه المرة وهو الذي هدم بيت افرسيمون. تبدو شكواهم غير تناسبية شيئا ما. فمن يجل في يتسهار ير حيين كبيرين جديدين مع منازل جميلة ذوات طبقتين أخذت تستكمل في هذه الايام حقا. إن ما يغضب شبان التلال هو التقارير عن نتائج الحرب التي قاموا بها في الظهيرة مع العرب من بورين. عندما اعرض نتائج المعركة وهي اربعة جرحى في مقابلة اثنين من بورين، يقفز الشبان عن الفرشة. "كانوا أكثر منا"، يقولون في صياح. في هذه المرحلة انتهى فصل الصداقة بيننا. يهدد احد الشبان وهو أسمر ذو نظارتين بأنني اذا لم أغادر المكان من الفور "فسينتهي أمر سيارتك الى أن تثقب عجلاتها كلها مثل كثيرين قبلك". وطلب شاب آخر أكثر تهذيبا أن أغادر لأنه يجب عليهم أن يعقدوا جلسة عمل. في ذلك المساء سد المستوطنون أحد عشر مفرقا في المنطقة. وفي "شفيه شمرون" رمت قوة من حرس الحدود المتظاهرين بقنبلة رعب. وماذا عن بن تسيون افرسيمون؟ في يوم الاربعاء وافقت الشرطة على تسريحه لحجز في بيته بعد أن قضى ثلاثة أيام في سجن هداريم. ولأنه أصبح بلا بيت فسيمكث مع زوجته عند والديها في يتسهار. أرسل افرسيمون من جهته الى شرطة التحقيق السرية فيلم فيديو صوره رفاقه. وقال إن الشرطة هم الذين هاجموه. ايفيت وبوجي في الميدان زار وزيران مهمان الميدان في عين العاصفة. فقد أتى وزير الخارجية ليبرمان ليضمن للناس ان التجميد قد انقضى. وأتى وزير الرفاهة اسحاق هرتسوغ ليعلمهم بأن التجميد يبدأ فقط. جال ليبرمان في السامرة جولة انتصار مذهلة فوق ظهر رئيس الحكومة نتنياهو بعد ان نجح في ان يحصل منه على مخصصات وأرسل الى الامم المتحدة ايضا سفيرا بخلاف رأي نتنياهو، وان كان قد تكمش في موضوع التهويد. وقد أعلن ليبرمان في جبل الجرزيم ان "التجميد كان تربيتا للفلسطينيين، ودفعنا عن ذلك ثمنا باهظا. وهو سيقف الان". وأعلن هرتسوغ من الغد في المكان نفسه بأن "اخلاء اجزاء من يهودا والسامرة حتميا. فتسوية كهذه فقط ستمنع انشاء دولة ثنائية القومية في أرض اسرائيل". هرتسوغ هو القصة المثيرة للاهتمام بفضل الظروف. فاذا كان ليبرمان مؤيدا للمستوطنين فان هرتسوغ يعارضهم لكنه يلتزم ان يمنحهم علاقة وخدمات كمثل كل مواطن. جال ليبرمان في السامرة واستشاط غضبا وخاصة على أبي مازن والفلسطينيين الذين يريدون فرض قطيعة على المنتوجات في المستوطنات، بل انه جال في المصانع في بركان وصافح العمال الفلسطينيين المحرجين، الذين لا يجدون مكانهم بين الحكومة الفلسطينية والحاجة الى الارتزاق. ووعد ليبرمان رؤساء المجلس ايضا بعشرة كرفانات جديدة من اجل ناد لمهاجرين جدد سيسكنون المستوطنات ايضا. وأجاب هرتسوغ بسخرية. "سيعطيكم الكرفانات كما أعطى المهاجرين التهويد"، قال لرؤساء المستوطنين. في أثناء الجولة مع ليبرمان استأجر المجلس خدمات بوعاز هعتسني كمرشد. قال هعتسني وهو من الليكود ان اريئيل شارون قد استدعى لحينه تقرير تاليا ساسون كي يهرب من قضية الرشوة التي هددتهم، لا أقل من ذلك. وسمى هعتسني خطبة بار ايلان "حيلة نتنياهو"، وسمى طائفة السامرييين الجليلة كوريوز". ومن المثير ان نعلم ماذا يعتقد في هرتسوغ. من يخاف من الجيش في كانون الاول الاخير الغى هرتسوغ لقاء مع رئيس المجلس الاقليمي "السامرة" غرشون ماسيكا بعد ان مزق هذا بتظاهر أمر التجميد. اعتذر ماسيكا في هذه الاثناء وأتى هرتسوغ المجلس كي يلقى شبان التلال. يسافر الاثنان معا الى مستوطنة ايتمار، حيث يملك مستوطن اسمه افري ران هناك مزرعة عضوية مشهورة، تستوعب شبانا متدينين مفصولين عن البلاد كلها. كان يمكن اللقاء بين هرتسوغ والشبان ان ينتهي الى كارثة لولا الوجه البشوش للوزير الودود ولغته اللينة. بل اعترف الشبان أمامه بلا خجل بأنهم يرتجفون خوفا عندما يأتي الجيش التلال. فالازمة الداخلية بينهم تزداد فقط. بخلاف ما تعتقدون، شبان التلال في اكثرهم عقائديون ليست لهم مشكلات اجتماعية خاصة او غيرها. هذا ما أبلغته هرتسوغ على الاقل حايا شخنر، مديرة فرع الرفاهة في المجلس. انطبع في نفس هرتسوغ أن الشبان الذين يخلون بالقانون ويشاجرون الفلسطينيين هم حائرون وان عدم اليقين السياسي يزيد في ورطتهم. ويشخص هرتسوغ الحالة قائلا "جميعهم في ضغط كبير جدا. انهم يعلمون انه ستقع قرارات حاسمة. يعتمد البالغون على الفلسطينيين أن يركلوا كل اتفاق اما الشبان فيحبون الجيش. فهم لا يريدون حقا مواجهة الجنود طوال الوقت. انهم يريدون احتضانا. يريدون تأييدنا، لكنهم ما زالوا لا يرون سببا جيدا يدعوا الى التآلف بل الى الانفصال فقط". إن المواجهة الشاملة بين ليبرمان وماسيكا ورؤساء المستوطنين وهرتسوغ وشبان التلال جذابة. فليبرمان والمستوطنون يطلبون وقف التجميد لان الاستيطان وحده هو الذي يمنع الارهاب في رأيهم. ولا يفهم هرتسوغ كيف يعيش وزير خارجية دولة اسرائيل مع المستوطنين في داخل فقاعة، ولا يعلم ما يحدث في العالم، ويعتقد أننا نستطيع فعل ما نشاء. يقترح ماسيكا فجأة اخلاء المستوطنات بشرط أن تنتقل البلدات العربية في البلاد الى الدولة الفلسطينية ايضا. ويقول هرتسوغ ان هذا لن يجوز. وهو مؤمن بأن رئيس حكومة من المركز وربما يكون هو نفسه يستطيع اخلاء المستوطنات من اجل دولة فلسطينية. من يعلم. إن عائلة افرسيمون وحدها لا تؤمن بأي شيء. في يوم الاربعاء أتى بن تسيون يتسهار، مرهقا بعد هدم البيت والاعتقال ورفض الحديث. تحدث صهره نويمان بدلا منه وهذا ما قاله: "نتنياهو خرع. سيرضخ أنا واثق من ذلك. والتجميد سيستمر. أراه متجهما في الخامس والعشرين من أيلول عند خروج السبت وفي عيد العرش يعلن في حفل صحفي بأنه قرر ضم كاديما الى الائتلاف وأننا ماضون الى تفاوض سياسي وسنجمد كل شيء. وليست عندي توقعات أيضا من شخصية شاحبة ضعيفة مثل بني بيغن. متى أظهر قدرة على الصمود؟". "وليبرمان؟ إنه رجل حسابات. ما يدريك ماذا سيفعل آنذاك. ربما يفعل ما يلائمه"، يلخص نويمان ويضع رأسه بين راحتيه ويغرق في أفكار عميقة.