البحوث في الغالب تثبت نجاحا استثنائيا لليهود منذ الانعتاق، في مجالات العلم والفكر – 5 حتى 15 ضعفا بالنسبة لعدد سكان الشعوب الاخرى.كما أن بقاء الشعب اليهودي وازدهاره في المنفى يثبتان وجود "عقل يهودي" جماعي؛ أي، كثرة الموهوبين. في اسرائيل كثيرة المجالات التي يوجد فيها ابداعات ناجحة، في الاقتصاد، في المجتمع المدني وفي عدة محافل في الحكم. ولكن الوضع مختلف في مجال التفكير السياسي – الامني، بما في ذلك مسألة "اين العقل اليهودي" الناشيء عن ذلك. التقديرات على جودة "العقل اليهودي" في المنفى تنطوي في داخلها على تفسيرات لنقصه في مجالات سياسية امنية. وحسب بعض هذه التفسيرات، فان ظروف المنفى الصعبة طورت كفاءات تتناسب والملابسات، سواء كمزايا ثقافية أم كمزايا الفرد شبه الجينية. هناك من يشدد على تعليم التوراة عالي المطالب بما تتميز به النخب. ولكن هذه السياقات لا تنطبق على السياسة، وهو المجال الذي لم ينشغل به الشعب اليهودي في المنفى. سبل التعاطي مع الحكم كانت بالاساس مظاهر التفرغ السياسي، وقلة من اليهود فقط وصلوا الى القيادة السياسية. بمعنى، ينقصنا تقاليد سياسية، تقاليد مؤسسات التعليم التي تستهدف تطوير قيادات وتقاليد "ارستقراطية"، تنشأ منها قيادة ديمقراطية. سنوات وجود الدولة اقصر من أن تملأ هذا النقص. النتيجة هي ثقافة سياسية – امنية "متخلفة عقليا". الكثير ممن يتبوأون المناصب هم أذكياء عقليا. ولكن ينقص "العقل السليم". مشاكل معقدة تستوجب تفكيرا معقدا، ولكن مثل هذا التفكير لم يتطور هنا بالقدر اللازم. وبدلا منه نعاني من تفكير سياسي – امني ذكي عقليا ولكنه متخلف، لا يمكنه بالتالي ان يتصدى للتحديات. التخلف يجد تعبيره في الاخفات في التفكير السياسي – الامني. مثلا، عدم القدرة على ادراج قيم وتطلعات مع رؤية واقعية لحدود الممكن؛ تقييد الابداعية من خلال المسلمات؛ الانجرار وراء التطورات بدلا من المبادرة؛ انعدام التفكير التاريخي، الذي يفكر بقضايا جارية في رؤية بعيدة المدى؛ المراوحة في المكان في ضوء بدائل موضع خلاف؛ التمسك بالمفاهيم الجامدة؛ رؤية النفق، دون رؤية الاعتبارات الهامة. انعدام التوازن بين قوة المحافل السياسية – الامنية للنفوذ الزائد للجيش الاسرائيلي؛ عدم الاضطرار لرأي اصحاب المناظير المتنوعة. كما أن التمسك بـ "فرضية عمل" احادية الابعاد؛ انعدام الشك والتفكير النقدي في "المسلم به"؛ الاستخفاف بالاخرين، بمن فيهم العدو؛ معارضة التفكير المبسط الموضوعي كاساس ضروري للسياسة، والتمسك "بنزعة التنفيذ". لكل هذا تنضم المصاعب للوصول الى تعاون بين هيئات سياسية امنية، مثلما بين وزارة الدفاع والجيش الاسرائيلي وبين قيادة الامن القومي، على خلفية نظام ائتلافي. والاخطر من كل شيء – التنكر للاخفاقات. النتيجة هي "قيمة مضافة سلبية" لعموم الساحة السياسية الامنية، انتاجيتها العامة تتآكل من خلال الاحتكاك بين الوحدات الذي يأتي بدلا من تعزيز التبادل التكاملي. لو لم تكن اسرائيل تقف امام قرارات حاسمة تصمم المستقبل، لكان ممكنا أن نرى في كل هذا "أمراض طفولة" ستمر في غضون جيل او اثنين. ولكن ليس هذا هو الوضع. وعليه، يجب احداث ثورة في ثقافة التفكير السياسي الامني على مستوياته. مطلوب لهذا تغييرات في نظام الحكم. ولكن حتى بدونها يمكن عمل الكثير بما في ذلك "تركيز مواضيع سياسية امنية في يد رئيس الوزراء، بدلا من نثرها بين العديد من الوزراء، الامر الذي يمنع التكامل؛ تأهيل مهني لطراز جديد من المسؤولين عن التقويم والتخطيط؛ التناوب بين هيئات سياسية وامنية وبينها وبين هيئات تفكير وبحث خارجية؛ تحديد "نقاط للاخذ بالحسبان في القرارات السياسية الامنية" كأداة مساعدة؛ مداولات عميقة لاعضاء الحكومة في مواضيع سياسية امنية (هذه توصية لجنة فينوغراد التي استقبلت بالهزء في مكتب رئيس الوزراء)؛ اعادة بناء قسم من هيئات التقدير والتخطيط بصورة تتناسب والواقع المعقد وفي ظل تقليص الاحتكاك، بما في ذلك تعزيز حقيقي لقيادة الامن القومي ومكانتها؛ وحوافز ايجابية وسلبية لاصحاب القرار ومستشاريهم بما في ذلك صرف اولئك البارزين في التفكير المتخلف.