هذا الشهر قبل 35 عاما، في تموز 1975، اتخذ قرار في مؤتمر النساء الدولي في مكسيكو سيتي، وضع الاساس لقرار الامم المتحدة الاكثر عداءا والذي اتخذ في أي وقت من الاوقات ضد اسرائيل: القرار الذي اتخذ في 18 تشرين الثاني من ذات السنة وصف الصهيونية كنوع من العنصرية. الحملة التي أدت الى هذا القرار كانت تقوم بقدر كبير على أساس قرارات سابقة عديدة ربطت بين الصهيونية والحركات الاستعمارية. فمثلا، في 1973 نددت الجمعية العمومية للامم المتحدة بـ "الحلف غير المقدس بين الاستعمار البرتغالي، العنصرية الجنوب افريقية، الصهيونية والامبريالية الصهيونية". في مكسيكو سيتي دعا مؤتمر النساء الى "تصفية" كل الاستعمار، الاستعمار الجديد، الاحتلال الاجنبي، الصهيونية والابرتهايد. في العام 1991 ألغت الجمعية العمومية للامم المتحدة قرارها من العام 1975 الذي شبه الصهيونية بالعنصرية، ولكن ما نجا بل وتغلب في السنوات التالية كانت التشبيه بين الصهيونية والابرتهايد. ماذا ينبغي لاسرائيل أن تفعله كي تصد هذا الميل. ماذا ينبغي له أن يكون مركز الثقل في الحجج الاسرائيلية؟ في خطاب في يوهانسبوغ، في 2008 كشف عزمي بشارة بان هناك عنصرين في الاتهامات التي ينشرها في ارجال العالم يربطان اسرائيل بالابرتهايد: التفرقة العنصرية والاستعمار. بتعبير آخر، من أجل التصدي لاولئك الذين يسمون اسرائيل دولة ابرتهايد، لا يكفي أن نعرض على العالم حقيقة أنه لا توجد تفرقة عنصرية في اسرائيل او أنه يوجد نواب عرب في الكنيست (خلافا للوضع في جنوب افريقيا الابرتهايد)، او أن العرب الاسرائيليين والفلسطينيين يعالجون في ذات المستشفيات الاسرائيلية (بينما في نظام الابرتهايد، لم يسمح للسود بدخول مستشفيات البيض). من الضروري التعاطي مع الجانب الثاني من الاتهام ضد اسرائيل – الادعاء بانها كيان استعماري. بينما اسرائيل ملزمة بان تواصل التشديد على النقطة الاولى، فبالنسبة للكثيرين في ارجاء العالم اليوم، فان القوة المحركة للموجة الحالية المناهضة لاسرائيل هي الرواية الاستعمارية. حق كان قائما في الماضي الحقيقة هي أنه بينما نشأت اسرائيل الحديثة من الانتداب البريطاني الذي اقترح وطنا قوميا يهوديا، باسناد عصبة الامم، فان القوى العظمى الاوروبية في حينه لم تكن هي التي خلقت حقوق الشعب اليهودي او منحتها. في وثيقة الانتداب كان "اعتراف بالصلة التاريخية بين الشعب اليهودي وفلسطين". وبتعبير آخر، اعترفت الوثيقة بحق كان قائما من قبل ودعت الى "اعادة قيام" الوطن القومي. اما عمليا فقد عمل اليهود على تعزيز حقهم قبل كثير من حل البريطانيين والفرنسيين الامبراطورية العثمانية. الشعب اليهودي تمكن قبل ذلك من اعادة تثبيت الاغلبية التي كانت له في القدس في 1863. الحقوق التي اعترف بها الانتداب وعصبة الامم في 1922 حافظت عليها المنظمة التي ورثتها، الامم المتحدة، التي حافظت من خلال المادة 80 من وثيقة الامم المتحدة على حقوق الدول والشعوب قبل قيام الامم المتحدة في 1945. الادعاء بان لاسرائيل جذور استعمارية بسبب ارتباطها بالانتداب البريطاني هو مفارقة، وذلك لان معظم الدول العربية تدين بقيامها لاحتلال وسيطرة القوى العظمى الاوروبية. قبل الحرب العالمية الاولى لم تكن دول مثل العراق، سوريا، لبنان والاردن قائمة على الاطلاق وكانت محافظات للامبراطورية العثمانية ولم تصبح دولا الا كنتيجة للتدخل الاوروبي. هكذا كان مثلا في حالة العراق والاردن حيث اعطى البريطانيون السلطة للاسرة المالكة الهاشمية. العربية السعودية ودول الخليج الاصغر نشأت كنتيجة لاتفاقات خاصة وقعها زعماؤها مع الهند البريطانية بين الاعوام 1880 – 1916. هذه الاتفاقات تضمنت اعترافا بريطانيا بشرعية عائلات عربية للسيطرة في الاماكن التي اصبحت دولا مثل الكويت، البحرين وقطر. اتفاق مشابه بين بريطانيا وعائلة ال سعود في 1915 وضع الاساس لنشوء العربية السعودية في 1932. أخيرا، في زمن حرب التحرير، تمتعت الجيوش العربية بشكل مباشر بالسلاح، التدريب، وحتى القوى البشرية من القوى العظمى الاستعمارية. في المراحل الاولى هاجم الجيش العربي القدس بمساعدة ضباط بريطانيين. وعن سماء سيناء المصرية دافعت طائرات سلاح الجو الملكي وفي 1949 سجلت حوادث بين طائرات اسرائيلية وبريطانية. القول ان اسرائيل هي نتيجة الاستعمار معناه تجاهل تاريخ الشرق الاوسط في القرن العشرين. يدور الحديث ايضا عن تجاهل لحقيقة أن في بدايتها كانت اسرائيل عمليا كيانا مناهضا للاستعمار ساعدت في ابعاد الامبراطورية البريطانية والفرنسية عن الشرق الاوسط. نفي تاريخي في السنوات الاخيرة، لاتسعت المساعي لعرض اسرائيل ككيان استعماري وهي تتضمن مساع لنفي كل صلة تاريخية بين الشعب اليهودي وبلاده. لهذا السبب كان مهما لعرفات ان ينفي بانه كان في أي وقت من الاوقات هيكل في القدس. كثيرون في محيطه تبنوا هذا النهج. بدءا بصائب عريقات وانتهاءا بابو مازن نفسه. عندما تحدث سلام فياض في نهاية 2008 امام الجمعية العمومية للامم المتحدة عن الاهمية الدينية للقدس، ذكر المسيحية والاسلام، ولكنه لم يذكر اليهودية. في كلمة في واشنطن اعترف ابو مازن بان اليهود يذكرون في القرآن ولكنه نفى بعد ذلك في صحيفة سعودي بانه يعترف بالحقوق التاريخية لليهود في بلاد اسرائيل. بالنسبة لناطقين فلسطينيين كثيرين من المهم نفي الجذور التاريخية للشعب اليهودي وذلك دعما لادعائهم بان اليهود جاءوا حديثا. القول المدحوض بان لدولة اسرائيل جذورا استعمارية ليس نتيجة مساع للوصول الى تقصي أي حقيقة بل هي جزء من حملة هدفها نزع الشرعية عن اسرائيل. في السبعينيات كانت جذور هذا المسعى في الاتحاد السوفييتي وحلفائه في العالم الثالث. اما اليوم، لشدة الاسف، فان جذور الحملة هي في المنظمات غير الحكومية وفي الحرم الجامعي في ارجاء الغرب. وبينما تنال الرواية المناهضة لاسرائيل الشعبية وتساعد على تغذية الاتهام بوجوب تعريف اسرائيل كدولة ابرتهايد ليس بينها وبين الحقيقة شي. على اسرائيل أن تستثمر جهودا ومقدرات كي تصد هذا الميل وكي تقف على الحق الذي في ادعاءاتها.