"هذا هو الائتلاف الأشد استقرارا"، أعلن الوزير افيغدور ليبرمان، رئيس حزب "اسرائيل بيتنا"، في الحفل الصحفي أمس في الكنيست. وبهذا فش ليبرمان وزير الخارجية هواء أحد البالونات الكبرى التي نشأت ونفخت في تاريخ التحليل السياسي في الصحف الاسرائيلية. من لم ينذر بـ "أزمة" في الأيام الأخيرة؟ وليست كذلك فقط بل "أزمة حقيقية". هل يجوز لي، بكوني واحداً من كتاب مقالات الرأي في هذه الصحيفة، أن أطري ضبط النفس وموضوعية هذه الصحيفة، التي لم تجذبها عناوين صارخة دراماتية؟ لكن الآخرين جميعاً تقريباً لم يتخلوا قائلين إن ليبرمان سيعتزل سريعاً. ثم تحتل كاديما مع تسيبي لفني ورفاقها مقاعد وزراء "اسرائيل بيتنا" قرب مائدة الحكومة. قد يأتي هذا المشهد وهذا الواقع، وقد يعتزل ليبرمان وكتلته في مستقبل ما حكومة بنيامين نتنياهو. لكن الحقيقة أننا لا نعلم في هذه اللحظة. وكل ما سوى ذلك تكهن لا أساس له. فهذا الأمر على العموم متعلق بقرار المستشار القانوني للحكومة في مسألة هل تقدم لائحة على الوزير ليبرمان. لكن يمكن اليوم أن نشير على الأقل الى حقيقة واحدة: وهي ان ليبرمان ينجح في تعتعة عدد من المحللين السياسيين وعدد من محرري الانباء الذين يضخمون واقعا خرج كل الهواء من بالونه بمرة واحدة، وبصوت عال، في الحقل الصحفي الذي عقده الوزير ليبرمان. الخطأ هو في التمييزات السياسية. للأسف الشديد، قيل ذلك الكلام في منتديات وكتب في مقالات تحليل بثقة "أنا أعلم كل شيء"، وبمنزلة "سأناجيكم بسر"، يا قرائي ومستمعيّ. لكن أحداً من المحللين كما يبدو لا "يفهم" أو "يقرأ" كما ينبغي مسار تفكير ليبرمان. يمكن أن نوافقه على سياسته أو ان نخالف عنها؛ ويمكن أن نوافق أو لا نوافق على ولاية ليبرمان وزارة الخارجية؛ لكن لا يمكن كما يبدو ألا نجزم أنه أحد الساسة الأكثر حنكة من العاملين في الساحة. "بل" إن ليبرمان يتفوق في حنكته على عدد من المحللين، وبيقين على عدد من صاغة العناوين الصحفية في الصحف المطبوعة في اسرائيل. اجل الى هذه الدرجة. ومن المؤسف أنه تم البرهان على ذلك في الأيام الأخيرة بعقب الاختلاف في ميزانية الدولة، بين الخزانة العامة ووزراء "اسرائيل بيتنا". ومن المؤسف جداً ان جميع التنبوءات السوداوية بالاعتزال المتوقع والأزمة الحقيقية التي تنشأ قد عرضت كما عرضت. لماذا يكون هذا مؤسفاً جدا؟ ينبغي ان نفهم: إن قراءنا، ومستمعينا، ومشاهدينا، قد لا يكونون الجميع لكن الجزء الأكبر منهم، من المحقق أنهم غارقون بقدر ما من التوتر و "الغضب" في حرارة شهر حزيران الماضي، الذي كان بحسب ما قال خبراء المناخ في الولايات المتحدة، الشهر الأكثر حراً في تاريخ التنبؤ بالحالة الجوية. واستمرار شهر حزيران الحار كما تعلمون هو شهر تموز الحالي الذي لا يقل عنه حرارة. فلماذا نوتر أكثر أعصاب جمهور زبائن الاعلام بالصيحات المنكرة "ذئب! "ذئب"! أي "أزمة! أزمة!". ماذا قد تكون نتيجة تضخم العناوين الصحفية عن "الأزمة" التي لم تكن أو التي أخرت فقط؟ قد تكون النتيجة اقلالا آخر من الثقة التي يمنحها الجمهور وسائل الاعلام بعامة حتى لو كان فيها شواذ. إن الأزمة عندما تصبح أزمة حقيقية لا "عنوانا صحفيا" فقط ولا أحاديث تحليل متصلة (التي تبين انها مثل هواء ساخن في أكثرها) لن يوجد من يصدق أن الائتلاف يواجه أزمة حقيقية. يمكن أن نفهم احداث الدراما: فهي جيدة لزيادة نسب المشاهدة، وقد تكون "معروفة"، ومن المحقق أنها تجذب الانتباه. لكن في الأمد البعيد، ولا سيما في وضع الصحافة والعلاقة المتنكرة لها، يحدث هذا ضررا عظيما بصدق التحليل الصحفي المدروس، العالم حقا بل حتى التحليل الحكيم. لأنه توجد لحظات في حياة وسائل الاعلام يناسبها فيها أن تتمسك بأساسيات الصحافة ألا وهي لغة الحقائق. ولغة تقديم التقارير على نحو منضبط بمنزلة "من قال لمن" أو "ما الذي حدث في الحقيقة؟". أي أنه تنبغي العودة الى لغة تقديم التقارير ومطامنة لغة النبوءة والتنبؤ. في المواجهة الأبدية بين ليبرمان وجيش المحللين، انتصر السياسي هذه المرة انتصارا عظيما. هذا واقع اعلامي مكرور عندنا، وقد تحطم هذه المرة على أرض الواقع.