دولة اسرائيل أثبتت مرة أخرى بأنها دولة بلطجة وزعرنة من خلال استهدافها لمئات المتضامنين العزل والذين يمثلون خمس دول العالم. اعتداء سافر ودموي ما كان يمكن أن تقوم به سوى مجموعات قرصنة أو عصابات أو حكومات عسكرتارية انقلابية. ولا يجب هنا أن يقع اللوم على عاتق اسرائيل أو تتم إدانتها على الجريمة وحدها. بل إن من يتحمل الوزر الأكبر في جميع ممارسات إسرائيل التي تتعارض مع القوانين الإنسانية والأعراف الدولية هو مجموعة الدول الداعمة لإسرائيل والتي تتجنب الضغط عليها وخفض مستوى الدعم والتأييد لها وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. إن هذا الإنحياز التاريخي لجانب إسرائيل يمثل دافعا قويا لجميع ما مارسته من عمليات قتل وإبعاد وسجن وهدم ومصادرة للحريات والحقوق، وسوف تستمر إسرائيل في ممارسة هذه الأفعال طالما استمر هذا الدعم الدولي اللا محدود والغير مشروط لها. وتمثل عملية القرصنة الاسرائيلية على مجموعة من السفن التي تحمل مساعدات إغاثية لقطاع غزة وفي المياه الدولية حلقة في سلسلة ما تمارسه اسرائيل من إرهاب دولة بلا رادع أو وازع. وجاءت هذه العملية التي أزهقت فيها أرواح بريئة كي تقدم بالإضافة لما سبق مجموعة إضافية من الدلائل والرسائل التي رأيت أنه من الضروري تسليط الضوء عليها. هذه لحظة هامة على صعيد العلاقات الفلسطينية الداخلية من حيث ضرورة لملمة الأوراق ومداواة الجراح والوصول لاتفاق يراعي مصالح الشعب الفلسطيني العليا ويحفظ ماء الوجه لطرفي النزاع الرئيسيين على الساحة الفلسطينية. ومطلوب من أجل ذلك وصول فريق فتحاوي رفيع المستوى بصلاحيات كاملة للتباحث مع قيادة حماس بغزة حول تفاصيل المصالحة وضمانات تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه والذهاب وبأسرع وقت ممكن للقاهرة لتوقيع اتفاق المصالحة، وعلى حركة وحكومة حماس من جهة أخرى إبداء المرونة الكافية والتجاوب مع توجهات اتمام المصالحة. إن استقواء اسرائيل على الشعب الفلسطيني وتجاهل حقوقه وقضاياه وتراجع أهمية القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي سوف يستمر ما استمر هذا الانقسام الفلسطيني البغيض. ومن هنا فعلى الجميع الضغط باتجاه عدم تفويت هذه الفرصة الهامة لرأب الصدع الفلسطيني وإعادة ترتيب أوضاع البيت الفلسطيني ووضع استراتيجية وطنية مشتركة لإدارة الصراع مع إسرائيل. ويستمر الموقف العربي بالضعف حتى بعد ارتكاب حكومة اسرائيل لمجزرة في عرض البحر راح ضحيتها عشرين مدنيا، فكانت ردود الفعل متباينة بين الشجب والاستنكار ومناشدة العالم وقف الممارسات الاسرائيلية وإدانتها والدعوات لاجتماعات لمجلس الأمن وجامعة الدول العربية واستدعاء رؤساء البعثات الاسرائيلية لوزرات الخارجية العربية التي يوجد بها تمثيل اسرائيلي. حتى اجتماع قمة عربي لم يتم انعقاده، واستمرت المبادرة العربية للسلام صاحبة السنوات الثماني من العمر قائمة في انتظار أن يتطلع لها الاسرائيليون بعين الجدية والاحترام. حتى أن دولة قطر التي تعتبر من محور الممانعة والتغيير العربي استكملت المؤتمر الاقتصادي المنعقد على أرضها بحضور وزير اسرائيلي. ونجم أردوغان وتركيا يستمر في الصعود نحو قيادة المنطقة وتشكيل جبهة جديدة يمكن أن تعيد الاتزان للنظام العالمي. تركيا وزعيمها أثبتت مرة أخرى بأن هناك خطوط حمر لا يمكن تجاوزها وابدت استعدادها للاستمرار في دعم المحاصرين والمحرومين من أهل غزة. إن هذه الشجاعة والبراغماتية التركية تشكل مصدرا للالهام العربي نحو إعادة الهيبة للأمة العربية ورفع مستوى احترامها أمام الدول. فأردوغان يحظى باحترام كبير في العالم الغربي وفي الوقت نفسه تجده لا يساوم في قضايا وحقوق المحرومين. يحمل أردوغان هويتان شبه متناقضتان هما الاسلامية والاتاتوركية لكنه ينجح نجاحا باهرا في التوفيق بينهما ولدى العرب الكثير من القادة الذين يحملون الهوية الشخصية أو العائلية أو الحزبية في أفضل الأحوال. فكم أردوغان يحتاج العرب للخروج من نفق التراجع والضعف. وكان الرد المصري المناسب عندما قررت القيادة المصري فتح معبر رفح بدون تحديد سقف زمني وخلق طاقة حرية لأهل غزة في سجنهم الكبير. ويشكل هذا الموقف المصري ضربة في التوقيت المناسب للحكومة الاسرائيلية والتي تعتقد أنها تمتلك جميع أوراق الصراع وبأنها وحدها من تقرر متي وكيف يمكن فتح المعابر ورفع الحصار عن قطاع غزة. إن دولة بحجم مصر لابد أن يكون دورها كبيرا بحجمها وتاريخها وإن استمرار فتح المعبر سيشكل رافعة مستحقة لشعبية مصر وقيادتها بين أوساط الجماهير الفلسطينية والعربية. فرغم الضغوط الهائلة التي تمارس على مصر ومن جميع الأطراف إلا أن القدرة على اتخاذ القرارات التاريخية وفي اللحظات الحاسمة تبقى سمة مصرية غالبة. أخيرا يستمر عجز مجلس الأمن الدولي في الخروج من المساحة التي تتيحها له الولايات المتحدة الأمريكية للتحرك من خلال ضغط الفيتو حيث فشل المجلس مرة أخرى وربما تكون بعد الألف في استصدار قرار يدين دولة اسرائيل ويشجب ممارستها. هذا العجز لابد أن ينتهي من خلال إعادة هيكلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن طريق منح المزيد من الصلاحيات للجمعية العمومية للأمم المتحدة وتوسيع دائرة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ورفع حق النقض الفيتو من دولة واحدة إلى دولتين على الأقل. فالعالم بحاجة لمؤسسة دولية تحميه وتراعي حقوق المظلومين فيه لا أن تصدر جملا مليئة بالعبارات الدبلوماسية من أجل إرضاء هذا الطرف القوي أو ذاك وإن كان على حساب دماء وحقوق الشعوب التي وجد مجلس الأمن والأمم المتحدة من أجل دعمها وحمايتها.