الدول مثل ألأفراد قد تعيش فى حالة قلق دائمه ومستمره ، والقلق ببساطة حالة نفسية شامله يعيشها ألأنسان بسبب ظروف بيئية غير عاديه ، وقد تكون حالة القلق بفعل عوامل ذاتية ، أو بفعل عوامل خارجية يكون الفرد معها غير قادر على التكيف أو التعاطى وألأستجابة معها. وهذا التعريف البسيط قد ينطبق على حالة أسرائيل وغيرها من الدول التى تسعى الى خلق بيئة جديده من موازين القوى غير القادرة على خلقها أو حتى الحفاظ عليها . ونماذج الدول هنا وقد تنفرد كل دولة بخصوصيتها لحالة القلق التى تعيشها وتنعكس على سلوكها السياسى الذى يميل للعنف والتأزم بسبب هذه الحالة الغير طبيعية. وبالنسبة لأسرائيل منذ أن أنشئت وهى تعيش فى حالة قلق دائمه ، وحالة عدم أستقرار ، وتوجس وتشكك من كل ما حولها ن حتى لو كان حركة طائر أقتحم سمائها واليوم أسرائيل قلقة من صواريخ سكود , وقلقة من حزب الله ومن حركة حماس ومن أمتلاك أيران للقوة النووية وحتى من زيادة المواليد الفلسطينيين الذين قد لا يجدون المأوى ، وقلقه من قافلة الحرية ، وكان هذا القلق هو العامل الرئيس وراء أستخدام العنف المطلق ضد متضامنيين سلام يسعون لكسر الحصار ورفعه عن أكثر من مليون ونصف يعيشون فى ظل حصار لأكثر من أربعة سنوات ، وكانت النتيجة أستشهاد اكثر من عشرة من هؤلاء المتضامنيين. وحالة القلق التى تعيشها أسرائيل أو أى دولة سببها المباشر حالة الحرب أو حالة اللآحرب واللاسلم التى تعيشها مع محيطها الخارجى . وآى دولة لها بيئتان داخلية وخارجية ، وفى حالة أسرائيل أسباب القلق كثيرة سواء من الداخل بسبب تركيبتها السكانية ، وهاجس القلق من تنامى العنصر العربى فى داخل أسرائيل بمعدلات مواليد كبيرة قد تطغى على العنصر اليهودى فى داخلها ، وقد يكون سببه أيضا الفشل فى سياسات التكامل وألأندماج للجماعات السكانية المتعددة والمتنوعة التى تتكون منها أسرائيل والتى تطغى عليها السياسات ألأمنية ، وقد يكون سبب القلق فى علاقاتها مع محيطها العربى ألجغرافى الطاغى بكثافته السكانية ، فأسرائيل نشأت فى بيئة غير بيئتها ، وفى ثقافة وحضارة غير ثقافتها وحضارتها ، وفى الوقت ذاته أسرائيل قامت بفعل سياسات القوة ، وقامت فى ظل ظروف غير عادية وأستثنائية فى نماذج قيام الدول ، وجاء ثمن قيامها تشريد مئات من الآف المواطنيين الفلسطينيين الذين هجروا من أراضيهم وبيوتنهم . ومنذ قيام أسرائيل وبسبب هذه الظروف الغير عادية والغير طبيعية تعيش أسرائيل حالة قلق أستنزفت مواردها ، وكرستها لعامل القوة وأمتلاك القدرات العسكرية المتفوقة والمتطورة ،ودولة تعيش فى سياق موازين القوة ، وفى سياق خيار الحرب الدائم لا بد وأن يتسم سلوكها السياسى بالقلق من كل ما يتحرك ويأتى من حولها ، ولعل الدائرة الضيقة لهذا القلق هى الدائرة الفلسطينية ، ولعل أحد أهم التداعيات السلبية لحالة القلق للدول كما ألأفراد أنها تخلق حالة من عدم الثقة ، وحالة من الشك وتشعر بالرغبة للأنكفاء حول ذاتها ، او أنها تبحث عن دائرة خارجية تعيش من خلالها، وتقيم علاقاتها معها ، وهو ما ينطبق على أسرائيل التى تعيش فى خارج محيططها الجغرافى ومحيطها الثقافى . وهذه الحالة من القلق تقود الى ممارسة سياسات نافره ورافضة لمحيطها ، والنفور هنا قد يأتى عبر سياسات القوة والحفاظ على التفوق والسمو على ألأخرين ، وعدم محاولة ألأندماج معها ، والدخول غى علاقات عادية طبيعية ، لكن الخوف من غلبة العنصر العربى الذى يفوق عدد سكان أسرائيل مرات عديده ، والخوف أن ألأندماج قد يضعف العنصر اليهودى ويحوله الى أقلية داخل هذه الكثرة والغلبة السكانية . وقد يقف ورائه الرغبة فى التفوق الثقافى والحضارى والخوف من الثقافة والحضارة العربية . والخروج من هذه الحالة التى يصعب على أسرائيل أن تستمر فيها لأنها تعتمد على تحالفات وقوى خارجية قد تكون غير دائمه ، هو بالبحث فى الخيارات البديلة للحرب ، ومن هنا يأتى أهمية الخيار السلمى ، وخيار العلاقات الطبيعية والعادية التى تقوم بين الدول والتى تسعى ألى قيام دوائر مشتركة من العلاقات التى قد تدفع فى خلق منظومة جديده من القيم ، وخصوصا قيم القبول والتعايش المتبادل الذى يقوم على ألأحتفاظ بخصوصية كل طرف، لكن من شأنه أن يعيد بناء جسور الثقة والتعايش والقبول ونبذ ثقافة القوة والتفوق ، وفى هذا ألأطار قد تأتى أهمية المبادرة العربية التى تعطى أسرائيل هذه القيم ، وتعطيها فرصة القبول مع المحيط الذى تعيش فيه ، وهو عامل يتسم بالثبات كمحدد للسلوك . اما رفض السلام فمن شأنه أن يعمق حالة القلق والخوف والقوة وهى كلها عوامل لا تساهم فى بقاء الدول، واستمراها ، وقد تكون هنا الدائرة الفلسطينية هى الدائرة والبوابة الواسعة التى قد تدخل منها أسرائيل لمحيطها العربى ، وإذا ما نظرنا الى تاريخ الصراع العربى ألأسرائيلى وفى دائرته الفلسطينية ألأسرائيلية ، فالخيار الوحيد للخروج من حالة القلق وليس فقط لأسرائيل بل حتى للفلسطينيين هى فى البحث عن صيغ من التعايش من خلال حل الصراع وقيام الدولة الفلسطينية المنفتحة ، ومن خلال البحث عن نموذج يعكس خصوصية الحالة بين فلسطين كدولة وأسرائيل كدولة ،و يمكن خلق نموذجا أوسع للتعايش ، مما قد يشكل مرحلة جديده من العلاقات ، هذا هو الخيار الوحيد أمام اسرائيل للخروج من حالة الخلق ومن حالة الحرب التى تلوح فى أفق وسماء المنطقة والخاسر فييها الجميع فى ظل موازين القوى الجديده. أكاديمى وكاتب عربى drnagish@hotmail.com