خبر : ألأقتراب من فهم السلوك السياسى لحماس .. د. ناجى صادق شراب

الأحد 30 مايو 2010 12:56 ص / بتوقيت القدس +2GMT
 ألأقتراب من فهم السلوك السياسى لحماس .. د. ناجى صادق شراب



                                                          لفهم السلوك السياسى لحركة حماس نحتاج الى رؤية شمولية لتناول كل مكونات هذا السلوك ، وكل المحددات والمستجدات والمعطيات والمتغيرات التى تشكل اطارا وسياقا عاما لهذا السلوك ، فسلوك حركة حماس لا يخرج عن السياق الفلسطينيى فى أبعاده ومحدداته ، ولا يخرج عن السلوك السياسى العام للحركات السياسية الأسلامية، ولا يخرج ايضا عن أطار ألأهداف والمنطلقات التى تشكل المكون الرئيس لهذه الحركات ، وهنا يعتبر عامل الدين هو ألأساس لهذا السلوك ، وإلا ستفقد هذه الحركة كما غيرها من الحركات ألأسلامية تميزها عن غيرها من الحركات السياسية ذات البعد العلمانى الوطنى والقومى والليبرالى . والدافع وراء كتابة هذه المقالة هو سؤال وجه ألى من قبل إحدى المحطات ألأذاعية الفلسطينية وذلك بعد لقاء وفد أمريكى غير رسمى ، وما إذا كان هذا يشكل تحولا فى هذا السلوك ؟ وذهب السؤال الى ألتساؤل ما الفرق بين السلوك السياسى لحركة حماس التى تسعى لحوار مباشر مع الولايات المتحده ، ومع السلوك السياسى مثلا لحركة فتح ؟ والسؤال يحمل فى داخله قدرا من المكر السياسى ، وهو لماذا هذا الهجوم على السلطة من البوابة ألأمريكية ؟ وقد يحتاج الموضوع الى أكثر من مقالة حتى يمكن تغطية ابعاده العديده ، وإلى قدر من ألأجتهاد الشخصى ، وفى الوقت ذاته هو بمثابة رؤية سياسية لسلوك حماس من خارجها.وإبتداء لا بد من التمييز بين مستويين للسلوك السياسى ، ألأول على مستوى الحركة نفسها ، والثانى على مستوى الحكومة ذاتها ، وهذا التمايز هو الذى قد يشكل منذ البداية معضلة تفهم وتكامل السلوك السياسى للحركة ، وأحيانا اخرى هو الذى قد يخلق حالة من التناقض الجزئى ، أو عدم الوضوح والغموض ، وهو غموض قد يكون مقصودا كمخرج لإتخاذ مواقف وقرارات قاطعة فى قضايا لم تتحدد بعد.  هذاوالعلاقة بين الحركات والتنظيمات السياسية من ناحية والحكومات التى تشكلها بعد فوزها فى ألأنتخابات تعتبر من اهم المعضلات السياسية فى فهم السلوك السياسى لكل منهما ، ويعزى هذا الى ضعف أساس الشرعية السياسية الذى تحتكم وتلتزم به كل التنظيمات والقوى السياسية الحاكمة ، ومن هنا التناقض والتعارض فى الرؤى السياسية ، والسلوك السياسى . وهذا ألأمر ينطبق على حركة حماس التى فازت فى الإنتخابات الفلسطينية وصار من حقها تشكيل الحكومة ، ولذلك أول ما فكرت فيه هو فرض سلوكها وبرنامجها السياسى ، وكأن النظام السياسى الفلسطينى لا يحكمه برنامج أو أساس من الشرعية العامة . وكانت هذه أولى المعضلات والمحددات التى قد لعبت وما زالت دورا فى تحديد أبعاد وتوجهات السلوك السياسى لحركة حماس. وعلى الرغم من أنه قد يصعب التمييز بين السلوك السياسى على مستوى الحركة وعلى مستوى الحكومة ، لسيطرة ألأول ، أو على أقل تقدير أن المستوى ألأول يشكل محددا وقيدا عاما على سلوك الحكومة ، ومع ذلك هناك قدر من التمايز ، فالسلوك السياسى للحركة يحكمه ويحدده بشكل مطلق ميثاق الحركة ، وعدم تقيده بكل ألأستحقاقات والألتزامات والقيود التى تفرض على السلوك السياسى للحكومة ، فمن ناحية قد الحركة اكثر تحررا فى رفض كل القيود وألأتفاقات والمرجعيات التى حكمت السلوك السياسى للحكومات الفلسطينية السابقة ، ومن هنا التمسك المطلق بخيار المقاومة ، والحق فى الرفض المطلق بألأعتراف بإسرائيل ، والتحرر من الألتزامات التى تفرضها الأتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل ، ولكن على مستوى الحكومة قد تبدو ألصورة أكثر واقعية ، واكثر مرونة ، وأكثر قدرة على التكيف السياسيى ، لأن مجال التعامل للحكومة لا يقتصر على الجانب الداخلى فقط ، ولا على مستوى التعامل مع أسرائيل كسلطة أحتلال ن ولكن مع المجتمع الدولى ودوله التى تحكمها شرعيات سياسية تختلف عن الشرعية السياسية للحكومة الفلطسطينية . والسؤال الذى يطرح هنا هل السلوك السياسى لحركة حماس هو نفس سلوكها قبل أن تشارك فى الإنتخابات السياسية الفلسطينية ، وتفوز فى الإنتخابات وتشكل الحكومة الفلسطينية ؟ بالتأكيد ألأجابة بالنفى فهناك العديد من مظاهر التكيف والتغير والمرونة والواقعية فى السلوك السياسى لها ، وهذا نتاج طبيعى ، وإلا ستتحول الى حكومة منعزلة عن بيئتها السياسية الداخلية والخارجية ، ولا توجد حكومة يمكن أن تعمل فى بيئة غير بيئتها , ولصحة هذا القول تحليل الخطاب السياسيى لرئيس حكومتها  السيد أسماعيل هنيه، والذى فى مناسبات كثيرة أكد على هذه الواقعية والتكيف ، واعطى مثالا لذلك ، تصريحاته منذ البداية أن حركة حماس لا تملك طائرات ودبابات ومدرعات لتدمير وإنهاء أسرائيل ، وقبوله بأن تقوم منظمة التحرير بالتفاوض لكن دون المساس بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطينى ، وحتى السيد خالد مشعل وفى أول مؤتمر صحفى له بعد فوز حركة حماس فى أللإنتخابات صرح بان حكومته ستتعامل مع كل ألأتفاقات الموقعة مع الحكومة السابقة ومنظمة التحرير من منظور المصلحة الوطنية الفلسطينية . ومن مظاهر التكيف القبول المبدئى بالدولة الفلسطينية فى حدود الرابع من يونيو 1967 ، والقبول فى الدخول فى هدنة مع أسرائيل ووقف أطلاق الصواريخ من غزة وربط ذلك بالمصلحة الوطنية الفلسطينية . هذه بعض ألأمثلة على درجة ومستوى التغير الذى لحق بسلوك حركة حماس بعد ممارستها للحكم والسلطة . ولهذا توصف حركة حماس بالبرجماتية ، والواقعية والتنوع والتكيف والمرونة فى التعامل مع القضايا السياسية التى تفرضها طبيعة الحكم من ناحية ، وطبيعة الصراع من ناحية أخرى ، وطبيعة التعامل مع البعدين ألأقاليمى والدولى للقضية الفلسطينية . وقبل تحديد المدركات التى تساهم فى تفسير السلوك السياسى لحركة حماس ، لا بد من ألأشارة الى عاملين أو متغيرين رئيسيين فى تفسير هذا السلوك ، وأول هذه العوامل أن حركة حماس قد أصبحت أحد الفواعل ألأقليمة الجديده ، واحد المكونات الرئيسة فى النظام السياسى الفلسطينى ، ولهذا دلالة سياسية كبيرة ، فالفاعل وحتى يتمتع بهذا الدور ويستمر به يحتاج ألى أعتراف أقليمى ودولى ، وهذا ألأعتراف يفرض على الحركة مزيد من ألأنفتاح السياسيى والذى يفرض بدوره أبداء مزيد من التكيف السياسى مع الشرعية الدولية ، وهنا التكيف قد يأخذ الشكل المتدرج والجزئى فى هذه المرحلة حتى لا يفقد كل قدراته التساومية على التأثير , والعامل الثانى قرار الحركة فى المشاركة السياسية الفلسطينية ودخولها ألأنتخابات وفوزها ، فلا شك لهذا العامل مدركات سابقة ، فلا يعقل ان الحركة لا تدرك ماهية ومكونات البيئة الداخلية للنظام السياسيى الفلسطينى ، فهى تدرك قواه ، ومؤسساته، وطبيعة الثقافة السياسية الحاكمه والناظمه للعمل السياسى ، وهذا العامل يفرض عليها فى النهاية حالة من التوافق والتعايش والتكيف السياسيى ، رغم حالة التنازع والتصادم التى واجهتها الحركة فى بداية حكمها . ولذلك فقد جاء قبول الحركة بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية ومشاركة فتح لها فى الحكم بعد توقيع أتفاق مكة مثالا مهما فى عملية التكيف والأستعداد للمشاركة فى أى حكومة علمانية فى المستقبل ، ولذك فإن إنهيار وفشل هذه الحكومة أنعكس سلبا على السلوك السياسى للحركة وفى أستعداها للمشاركة والتكيف السياسى .ولو أن هذه التجربة كتب لها النجاح لكانت درجة التكيف السياسى أكبر على مستوى الحركة ،وهذا الفشل هو الذى ذهب بالحركة للسيطرة على السلطة بالكامل فى قطاع غزة . وعلى الرغم من التداعيات السلبية لهذه السيطرة وما نجم عنها من إنقسام سياسى ، لكنه فى الوقت ذاته فرض الحكم منفرده ان تواجه تحديات الحكم والسلطة ، وبكيفية التعامل مع العامل الخارجى ، وهذا قد فرض على الحركة مزيدا من التكيف والمرونة ، وحتى على مستوى التعامل مع أسرائيل ومع أنتهى اليه بالحرب التى شنتها أسرائيل على غزة ، فلا شك ان هذه الحرب وما تركته من نتائج وتداعيات قد فرضت نفسها على السلوك السياسى لحركة حماس فى إبداء مزيد من الواقعية والمرونة السياسية ، فمن ناحية حماس لا تستطيع الحركة اعلان غزه أمارة أسلامية لإدراكها لصعوبة ذلك ، ولا يمكن ذلك مع أستمرار ألأحتلال  ، ومن ناحية أخرة تمسكها بالشرعية السياسية ألأنتخابية ،وثالثا أدراكها لخصوصية الحالة الفلسطينية فى غزة، وكل هذا قد أنعكس على التغير الذى طرح على السلوك السياسى حتى فى الحكم ، وهو ما يفرض عليها مراجعة لسلوكها فى الحكم والتعامل مع مؤسسات المجتمع وثقافته المدنية والإنفتاح أكثر على مؤسسات المجتمع المدنى ، ومزيد من المؤسساتية فى العمل ، وإبداء قدرا أكبر من القانونية ، وألأبتعاد عن سياسات التمايز المجتمعى والعمل على تقديم النموذج السياسى ألأسلامى العقلانى والواقعى ولذى يستجيب لاقع الحياة ومتطلباتها. وإحترام آدمية ألنسان وتوسيع نطاق هامش حرياته وحقوقه . وهذان العاملان قد يفسران الى حد كبير ماهية السلوك السياسى لحركة حماس ، وما قد يعكسه من تناقض أحيانا ، أو غموض مقصود ، أو تشدد وتمسك بالمطلقات . ولا شك أن هناك تأثير متبادل وأحيانا غير متكافئ بين مستوى السلوك على مستوى الحركة ، والسلوك على مستوى الحكومة ، لكن ليس لدرجة ألأنفصام الكامل . ففى الوقت الذى تتمسك الحركة بموقفها المتشدد من خيار المقاومة ورفض كل شكل من أشكال التفاوض ، قد نجد السلوك السياسى أكثر واقعية ومرونة فى هذا السياق من قبل الحكومة ، ومن العوامل التى تدفع فى إتجاه التكامل بين السمتويين للسلوك ان الحركة بمكتبها السياسية منغمسة فى العمل السياسى الأقليمى والدولى ، وتمارس وظائف أى حكومة وهذا من شأنه أن يخلق حالة من التناسق والتوافق فى السلوك السياسى للحركة والحكومة . ولا يمكن فهم السلوك السياسى للحركة بعيدا عن المحددات والمدركات السياسية التى  تحكم السلوك السياسى لأى حركة وحتى على مستوى الدول ذاتها ، وفى مقدمة هذه المدركات العامل الدينى ، فحركة حماس حركة دينية أصولية تتمسك و تستند على عامل الدين فى تحديد أهدافها السياسية ، وفى فهمها للصراع العربى ألأسرائيلى ، وفى التعامل والنظرة للعالم الخارجى ، وهذا المدرك قد يضفى بعدا من التشدد والألتزام السياسى الثابت مثال الرفض قطعيا بالإعتراف بإسرائيل ـ لأن هذا ألأعتراف يتناقض مع المكون الرئيس لبرنامجها ورؤيتها السياسية .وإلى جانب عامل الدين هناك مدرك ومحدد الحالة الفلسطينية بكل خصوصيتها التى لا يمكن تجاهل تأثيرها على السلوك السياسى الفلسطينى ، وهنا تلعب وتبرز عوامل كثيرة بعضها متعلق بالبنية المؤسساتية ، وبعضها متعلق بالبنية الأحتماعية ، والثقافية ، وبنية الحكم والسلطة وظاهرة الشخصانية السياسية ، فحماس فى البداية والنهاية هى حركة وطنية فلسطينية ، والقدرة على التوفيق بين الوطنى والدينى يشكل معضلة تحتاج الى حل من الحركة ، وهذا سينعكس على سلوكها السياسى ، وهنا قد تبرز نماذج مثل تركيا وماليزيا وحتى أيران وكيف تعطى الأولوية الوطنية أولوية فى تحديد السلوك السياسيى ، فمثلا حزب العدالة والتنمية فى تركيا وعلى الرغم من قاعدته الدينية ، لكنه يدرك لكل مكونات السياسة التركية ، وبدلا من البحث عن الإقصاء والألغاء يبحث عن صيغ التوافق والتكيف من خلال ألأنجاز ألأقتصادى ، والوفاء بالوعود السياسية الديموقراطية ، وهو ما يفسر لنا السلوك الحداثوى والأنفتاحى للحزب ، وعدم الصعوبة فى التعامل مع عامل الدين. ومن المدركات التى تفرض قدرا من الواقعية والتكيف وحتى ولو فى المدى البعيد طبيعة الصراع وبنيته المركبة ، فحماس تدرك أن هناك دولة أسرائيلية ، وقد يصعب أزالتها وفنائها ، وأن هناك أحتلال ، وتداخل جغرافى وسكانى ، وكل هذه المحددات الجغرافية تفرض نفسها على البعد السلوكى لحماس وعلى أدارتها لهذا الصراع ، الذى قد يفرض هدنة فى مرحلة ، معينه ، وقبولا بحلول سياسية ولو جاءت تحت مسميات مؤقته. وتدرك حماس أن هناك أبعادا أقليمية ودولية عضوية بالقضية الفلسطينية ، وأنها جزء من كل ، وأن هذا ألأدراك يفرض عليها ألأنفتاح والتكيف والتعامل مع المحددات ألأقليمة والدولية بكل تناقضاتها وتحالفاتها ، وتدرك أو عليها أن تدرك الخريطة التحالفية التى تربط أسرائيل بالولايات المتحده وأوربا ، وان هذه الخريطة مرتبطة بموازين قوى قد لا نتحكم فيها ، ولكن يحتاج ألأمر الى تغييرها . ولعل من ألأبعاد المهمة التى ينبغى أدراكها عامل الزمن فى هذا الصراع ، فالصراع العربى ألأسرائيلى قد يرتبط بحلول زمنية بعيده ، ولا يمكن تحقيقها قبل أوانها ، وهذا يفرض البحث عن حلول واقعية ـوعن إعادة وترشيد وتقييم لكل أدوات الصراع وأدارته. إذن نحن أمام نموذجا للسلوك السياسى ليس بسيطا ، وتتداخل فيه العديد من المكونات والمحددات والمعطيات ، وتحتاج الى قدرة كبيرة من التوزان والتكيف والتكامل بين هذه العناصر ، وبقدر التوازن بينها بقدر ما يكون السلوك السياسيى متوازنا ومقبولاوواضحاومتماسكا ، وبقدر ما يعكس الخصوصية الفلسطينيى ، وهذه الخصوصية هى ا لمحك الرئيس لفهم السلوك السياسى لحركة حماس فى الحاضر والمستقبل . وهى التى ستحدد قوة الحركة كفاعل رئيس لا يمكن تجاهل دوره فى أدارة القضية الفلسطينية صراعا أو سلما . وأخيرا هذه مجرد رؤية عن قرب لسلوك سياسى لم يختبر بعد فى الحكم والسلطة.   أكاديمى وكاتب عربى drnagish@gmail.com