خبر : المصالحة خيار استراتيجي لا نملكه ...د. محمد اسحق الريفي

الأحد 30 مايو 2010 12:39 ص / بتوقيت القدس +2GMT
المصالحة خيار استراتيجي لا نملكه ...د. محمد اسحق الريفي



تتبنى حركة حماس خيار المصالحة الوطنية، وتعده خياراً استراتيجياً في مواجهة الانقسام الداخلي وتداعياته الخطيرة، فاستمرار الانقسام يضر بقضية فلسطين وبخيار المقاومة، الذي تتبناه حماس خياراً استراتيجياً في مواجهة العدو الصهيوني.  ورغم الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة، فإنها تبدو صعبة المنال، بسبب ارتهانها للإرادة الصهيوأمريكية.   فبنظره سريعة للوضع الفلسطيني الراهن؛ بعد عدة سنوات من الانقسام، نجد أنه أنعكس سلبياً على المقاومة، وحد من قدرتها، ولا سيما في الضفة المحتلة.  فمن ناحية، تمتلك المقاومة في غزة الحرية والظروف المواتية للنمو والبناء والاستيعاب والتطوير، ولكنها مقيدة ومحدودة، لأسباب سياسية وأمنية وعسكرية.  ومن ناحية أخرى، تتعرض المقاومة في الضفة لعملية استئصال عنيفة يرعاها الأمريكيون، ويشرف عليها ما يسمى "المجتمع الدولي"؛ عبر اللجنة الرباعية، وتشترك فيها أجهزة سلطة حركة فتح في الضفة، جنباً إلى جنب مع أجهزة العدو.  ومن الناحية الاستراتيجية، فإن المقاومة في الضفة أهم بكثير من المقاومة في غزة، لأن المقاومة في غزة فقدت قدرتها على الاشتباك ميدانياً مع العدو منذ تفكيك مستوطناته وانسحابه، فأصبحت عمليات المقاومة محدودة ومقيدة بحسابات سياسية.   ولا شك أن الجدار الصهيوني العازل، ومئات نقاط التفتيش والحواجز العسكرية الصهيونية المنتشرة في الضفة، قد حدت من قدرة المقاومة على شن عمليات فدائية، ولكن الأخطر من هذا الجدار، عملية الاستئصال التي تتعرض لها المقاومة هناك، والتي تستهدف بنيتها التنظيمية ومؤسساتها وروافدها وعناصرها، بل وثقافتها أيضاً.  ولذلك فهناك حاجة ماسة لإجراء دراسة استراتيجية عميقة حول مستقبل المقاومة في الضفة في ظل استمرار الانقسام.   كان الهدف من مشاركة حركة حماس في السلطة، الإصلاح والتغيير الشامل، لإصلاح ما يسمى "السلطة الوطنية الفلسطينية"، والتخلص من التزاماتها الأمنية والسياسية تجاه الكيان الصهيوني، من أجل حماية المقاومة من محاولات اجتثاثها.  وإذا كانت عملية الإصلاح والتغيير قد نجحت إلى حد ما في غزة، فإنها تعطلت في الجزء الأكبر والأهم؛ في الضفة الغربية.  وأدى النزاع بين حركتي حماس وفتح إلى مزيد من تورط الأخيرة في مستنقع التسوية، وزيادة حجم التعاون الأمني بين أجهزتها وبين العدو الصهيوني، فأنشأ لنا "دايتون" الفلسطينيين الجدد، الذين يمثلون خطراً كبيراً، ليس فقط على المقاومة، بل أيضاً على الهوية الفلسطينية.   وبعبارة أخرى، تمكن العدو الصهيوني من استغلال الانقسام لخدمته وتحقيق مصالحه.  وهذا ما حدث في الانتفاضة الأولى، حيث شعرت فتح بأن حماس تسحب البساط من تحتها، فاعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بما يسمى (إسرائيل)، وتورطت فتح حتى الحنجرة في مستنقع التسوية وفي التعاون الأمني مع العدو ضد المقاومة؛ بمقتضى خريطة الطريق الأمريكية، التي لم يبق منها قائماً سوى مساهمة أجهزة فتح في الحرب على المقاومة بتوجيه أمريكي وأوروبي.   لذلك فإن المصالحة خيار استراتيجي لكل فلسطيني غيور على فلسطين والشعب، ولكنه مع الأسف خيار معطل، بسبب ارتهان موقف حكومة رام الله ومحمود عباس للقرار الأمريكي وبسبب خضوعهما لإملاءات الكيان الصهيوني، الذي يستغل الانقسام، ليس فقط في عمليات التهويد والتهجير واغتصاب الأرض والاستيطان، بل أيضاً في إلحاق أقسى أنواع المعاناة والتعذيب بالشعب الفلسطيني؛ في غزة والضفة والقدس، ويستغله أيضاً في تسخير أجهزة فتح في الحرب على المقاومة.   الشروط الأمريكية للمصالحة، التي تخدم الكيان الصهيوني، والتي تتبناها فتح وحكومة رام الله، ولا تحيدان عنها قيد أنملة، تجعل المصالحة مستحيلة، وتعمق الانقسام وتطيل عمره، لأن ثمن المصالحة التي تريدها فتح هو رأس المقاومة، بل لا تريد فتح مصالحة وإنما تريد توقيع حماس على الورقة المصرية للمصالحة، التي تتضمن بنوداً تتناقض مع الثوابت الفلسطينية، ما يحبط محاولات الإصلاح والتغيير ويصيبها بالشلل التام، رغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها حكومة غزة.  إن فشل المصالحة يعني استمرار ذبح المقاومة في الضفة، وفشل إصلاح منظمة التحرير، وتعطيل الانتخابات، وفشل علاج خلل الشرعية؛ أي حق تمثيل الشعب الفلسطيني، وغياب إطار وطني فلسطيني يوحد بين الفصائل ويوفر آلية لفض النزاعات بينها.   ورغم مساوئ الانقسام العديدة، إلا أن له إيجابيات مهمة، وعلى رأسها فشل التسوية، ولكن العدو الصهيوني غير معني بإنجاح تسوية تسمح للفلسطينيين بإقامة دولة، مهما كانت معدومة السيادة.  فما الذي يجبر العدو الصهيوني على التسوية ما دام الفلسطينيون الجدد يسهرون على حماية المستوطنين والمستوطنات، ويساهمون في حماية أمن الكيان الصهيوني! وما الذي يجبره على (السلام) ما دامت عمليات التهويد والاستيطان واغتصاب الأرض على أشدها...!   ورغم كل العوائق التي تحول دون المصالحة، فلا بد من توفير أجواء سياسية وإعلامية مواتية لها، بعيداً عن الفقاعات الإعلامية المثيرة للجدل والمناكفة! ا.د. محمد إسحاق الريفيالجامعة الإسلامية بغزةغزة، فلسطين