القدس المحتلة / كتب المسؤول الاميركي السابق الرفيع المستوى جيمس دوبينز الذي خدم في ادارة كل من الرئيس بيل كلينتون والرئيس جورج دبليو بوش دراسةً مثيرةً للاهتمام عن امكانات وشروط تشكيل قوة دولية لحفظ السلام في دولة فلسطينية تقوم في المستقبل مرجحاً ان تكون بقيادة حلف شمال الاطلسي في شقها العسكري. ويقول دوبز في الدراسة التي ستنشر قريباً في نشرة "ميديل ايست بوليسي بريف" التي يحررها مسؤول سابق في ادارة كلينتون هي روبرت مالي ان من المستبعد ان يقبل الفلسطينيون باسبدال احتلال دولي بالاحتلال الاسرائيلي. وفي ما يأتي ابرز ما ورد في دراسة دوبز: "شهد الشرق الاوسط عمليات عديدة لحفظ السلام على مدى السنوات الخمسين الماضية. وما زالت عمليات عدة منها مستمرة الى اليوم. ولاكثر من ثلاثة عقود ساعدت قوة بقيادة الولايات المتحدة في سيناء في الفصل بين القوات الاسرائيلية والمصرية والحفاظ على السلام بين الدولتين. وعلى الحدود الشمالية لاسرائيل تسعى قوة من الامم المتحدة في لبنان الى منع اندلاع قتال جديد بين قوات حزب الله واسرائيل. وبالرغم من ان هذه المهمات تعتبر مساعدة، الا انها لم تفعل شيئا لتقريب اجل حسم النزاع الجوهري بين اسرائيل وجيرانها العرب. اذ لم تحسم هذه المهمات مصير السكان الفلسطينيين الذين اخرجوا من ديارهم عندما اوجدت اسرائيل في العام 1948 كما انها لم تقرر الوضع النهائي للمناطق الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل في 1967 ولكنها لم تضمها اليها. ان مجرد الفصل بين السكان الاسرائيليين والفلسطينيين لن يكون كافياً، لأن من الصعب تصور دولة فلسطينية تستطيع، فور توقيعها على اتفاق سلام، المباشرة في ممارسة سيطرة فعالة على جانبها من الحدود وان تضمن بصورة يمكن الاعتماد عليها التنفيذ الامين لذلك الاتفاق. ويمثل غياب دولة كهذه حالة كلاسيكية من حالات الدجاجة والبيضة. اذ لا يمكن ان يكون هناك سلام في الشرق الاوسط من دون وجود جهة فلسطينية قادرة على ان تسيطر بصورة فعالة على الاراضي التي هي تحت سلطتها، ولكن لا يمكن ايجاد مثل هذه الجهة الفلسطينية من دون اتفاق سلام. وقد اظهرت التجربة التحديات التي يمثلها تحقيق هذين الامرين بالتتابع. اذ ان اسرائيل لن تنهي احتلالها الى ان يكون لديها شريك تفاوضي يمكن الاعتماد عليه ويستطيع تنفيذ أي التزامات يقبل بها، ولكن لا يمكن ايجاد مثل هذا الشريك الفلسطيني في ظل الاحتلال الاسرائيلي. ولابد من تحقيق هذين الشرطين المسبقين للسلام بالتزامن الى حد كبير. ومن المحتمل ان تحقيق ذلك يتطلب طرفاً ثالثاً ما ليساعد الدولة الفلسطينية الناشئة على توطيد نفسها وطمأنة الاسرائيليين في الوقت ذاته الى ان اتفاق السلام سيتم تنفيذه بصورة امينة. ومع ان طبيعة قوة حفظ سلام افتراضية في دولة فلسطينية جديدة هي امر محفوف بعدم اليقين، فإن من الممكن اجراء بعض التنبؤات المسنودة بالمعرفة بشأن ما هي الظروف التي من المرجح ان تؤدي الى ايجادها. اذ يبدو من غير المرجح ان تكون الولايات المتحدة او بقية المجتمع الدولي على استعداد لنشر قوات في الاراضي الفلسطينية لحماية احتلال اسرائيلي او لتحل محله. لذا فإن من الشروط المسبقة لنشر مثل هذه القوة انهاء ذلك الاحتلال. ومن جهه اخرى يبدو من غير المرجح ان توافق اسرائيل على نقل تام للسيادة الى دولة فلسطينية – خصوصا بالنسبة الى وظائف يمكن ان تؤثر في سلامة السكان الاسرائيليين، مثل الامن ومراقبة الحدود. ومن هنا فإن قوة دولية مصممة للحفاظ على سلام اسرائيلي – فلسطيني ستحتاج الى الجمع بين الفصل بين الدولتين ومهمات بناء الدولة. ومن المؤكد انه سيكون من بين مسؤولياتها المساعدة في منع التوغلات والهجمات الاخرى من جانب متشددين فلسطينيين داخل اسرائيل، وبذلك تحول دون وقوع توغلات عسكرية اسرائيلية في الدولة الفلسطينية. ولكن يتعين على تلك القوة ايضا ان تساعد تلك الدولة في تنمية قدرتها على ضمان امن رقعتها الجغرافية وحكمها حكماً فعالاً. ان عناصر كثيرة غير عسكرية من بعثة دولية لبناء الدولة قائمة بالفعل حالياً اذ يعمل مسؤولون اميركيون واوربيون وآخرون من الامم المتحدة منذ بعض الوقت من اجل تحسين نوعية الحكم الفلسطيني. لكن هذه الجهود تتم في ظل احتلال عسكري مستمر تديره حكومة اسرائيلية غير متاكدة مما اذا كانت تريد حقاً بروز دولة فلسطينية كفؤة – خصوصاً دولة قادرة على ضمان أمن ارضها وسكانها. كما ان برامج المجتمع الدولي لبناء الدولة يجري تسييرها وسط صراع مستمر في اوساط الفلسطينيين انفسهم بشأن طبيعة دولتهم والسيطرة على مؤسساتها. وليس من المرجح ان تحرز الجهود الخارجية لبناء مؤسسات فلسطينية اكثر فاعلية تقدما كافيا الى ان تزال هاتان العقبتان – أي التردد الاسرائيلي والاقتتال الداخلي الفلسطيني – او يجري تخفيفهما على الاقل بشكل يساعد على النجاح. لا توجد جهة مؤيدة بقوة في الولايات المتحدة لحمل اسرائيل على تحقيق السلام كما ان من غير المرجح ان تكون هناك حماسة في اوساط الدول المحتمل ان تساهم بقوات لحمل الفلسطينيين على عمل ذلك. لذا فإنه اذا اريد لهذه المهمة ان تتم فإن من الارجح ان تكون شبيهة بالمهمات التي قادتها الامم المتحدة في اعقاب تسوية صراعات والتي حظيت بموافقة الجانبين عليها اكثر مما تشبه الجهود التي يقودها حلف شمال الاطلسي لتطبيق السلام في البوسنة وكوسوفو. وليست الامم المتحدة بالمرشح ذي المصداقية لقيادة مهمة السلام هذه بالذات. ويعتبر معظم اعضاء الامم المتحدة الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وغزة في افضل الاحوال احتلالاً طال امده، وغير قانوني في اسوأ الاحوال. اما اسرائيل من جانبها فلا تعتبر الامم المتحدة محايدة بما يكفي للاضطلاع بمهمة على هذه الاهمية المركزية بالنسبة الى امن اسرائيل. ولذلك فإنه من اجل كسب دعم الجانبين الرئيسين فإن العنصر العسكري لأي مهمة دولية من هذا النوع يجب تنظيمه على اساس أي يكون تحالفاً للراغبين بقيادة الولايات المتحدة او على الارجح بقيادة حلف شمال الاطلسي. لذا فان ترتيباً معقولاً سيكون عنصراً عسكرياً بقيادة حلف شمال الاطلسي (ناتو) والى جانبه منظمة موازية قيادتها مدنية تتولى المسائل السياسية وتلك المتعلقة بالحكم الرشيد. (...) ومن المرجح ان الحكومات المشاركة ستسعى الى تلقي تفويض مواز من مجلس الامن الدولي. وسيعين القائد المدني الدولي من جانب مجموعة مختارة من الدول المعنية، بما فيها تلك المساهمة بعدد كبير للقوة المكونة بقيادة "ناتو" وكذلك تلك الدول المستعدة لتقديم مساعدات اقتصادية كبيرة. وستحتاج تلك الحكومات ايضاً الى تقديم تمويل للسماح للقائد المدني بتشكيل فريق موظفين والقيام بنشاطات متنوعة استشارية ومتعلقة بالمساعدات. ومن المحتمل ان يحتاج القائد المدني الى بعض السلطات الفائقة للعادة المستمدة من اتفاق السلام وقرار مجلس الامن المرافق له. وسيعتمد التطبيق الى حد كبير على الامتثال الطوعي ولكن لا بد من ان يكون مدعوماً باستعداد لاستخدام قوة "ناتو" العسكرية ، او التهديد بدلاً من ذلك بسحب تلك القوة والمجازفة بعودة الاحتلال الاسرائيلي. ان أي تسوية سلمية ستنهار اذا تعرضت اسرائيل لهجمات مستمرة من الاراضي الفلسطينية، وهذه ستحدث ما لم تدعم غالبية ساحقة من الفلسطينيين التسوية. وهكذا فان تحقيق السلام بين الفلسطينيين سيكون امراً اساسياً لإدامة السلام بين العرب والاسرائيليين. ومن المؤكد انه لن يكون هناك سوى عدد قليل من المتطوعين الدوليين لتشكيل بعثة حفظ للسلام في دولة فلسطينية غارقة في حرب مع نفسها. لذا فان نشر مثل تلك القوة يحتمل ان يتطلب اتفاقا ليس بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية وحسب، وانما ايضاً بين الحركتين الرئيستين المتنافستين على السلطة في دولة فلسطين الجديدة، أي "فتح" و"حماس". *جيمس دوبنز مساعد سابق لوزير الخارجية الاميركي خدم طوال تسعينات القرن الماضي مبعوثاً خاصاً لادارة الرئيس بيل كلينتون الى الصومال وهاييتي والبوسنة وكوسوفو ثم مبعوثاً خاصاً في عهد ادارة بوش الى افغانستان بعد 11 ايلول (سبتمبر) 2001. وانضم منذ ذلك الحين الى مؤسسة "راند" حيث يرأس مركز الامن الدولي وسياسة الدفاع. وقد انتج سلسلة دراسات عن سجل اميركا والامم المتحدة واوروبا في مجال بناء الدول في السنوات الست الماضية.