كتب فيليب فايس مقالا في موقعموندو نيس تناول أثار تحقيق مطوّل نشرته صحيفة نيويورك تايمز حول صعود رجل الأعمال المدان بالاتجار الجنسي جيفري إبستين إلى دوائر المال والسياسة جدلًا واسعًا، بعدما اعتبره عدد من الصحفيين والباحثين قاصرًا لتجاهله ما وصفوه بـ"البعد الإسرائيلي" في شبكة علاقات إبستين ونفوذه.
التحقيق، الذي حمل عنوان "القصة غير المروية عن كيفية ثراء جيفري إبستين"، قدّم إبستين بوصفه محتالًا فذًا استطاع بخداعه وجرأته اختراق المؤسسات المالية والنخب السياسية، مستندًا إلى شهادات من مسؤولين سابقين في شركة «بير ستيرنز» وغيرها. إلا أن هذا التفسير، وفق منتقديه، يختزل القصة في شخصية فردية ويتجاهل السياقات السياسية والأيديولوجية التي سهّلت صعوده.
انتقادات للرواية السائدة
الكاتب والصحفي الأميركي فيليب فايس يرى أن نيويورك تايمز تبنّت «أسطورة المحتال العبقري»، متغافلة عن شبكة علاقات منظمة ربطت إبستين بشخصيات نافذة داخل المؤسسة اليهودية الأميركية الداعمة لإسرائيل منذ سبعينيات القرن الماضي.
ويشير فايس إلى أن عددًا كبيرًا من الشخصيات المحورية في قصة إبستين — مثل آلان ديرشوفيتز، لاري سامرز، ليون بلاك، لين فورستر دي روتشيلد، وليس ويكسنر — معروفة بدعمها السياسي والمالي لإسرائيل، معتبرًا أن هذا القاسم المشترك لم يكن تفصيلًا هامشيًا بل عنصرًا مكوّنًا لدوائر الثقة التي أحاطت بإبستين.
شبكة علاقات سياسية واقتصادية
بحسب التقرير، لعب إبستين أدوارًا متعددة في سياق علاقات اقتصادية وسياسية مرتبطة بإسرائيل، من بينها:
• مرافقة عضو الكونغرس الأميركي واين أوينز في رحلة إلى الشرق الأوسط عام 1989 لاستكشاف فرص تعزيز العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل ودول الجوار.
• علاقته الوثيقة برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، والتي شملت مشاريع تجارية وتواصلًا سياسيًا.
• ارتباطه برجال أعمال كبار داعمين لمؤسسات إسرائيلية، من بينها برامج مثل «بيرثرايت» وجهات مرتبطة بالجيش الإسرائيلي.
كما يشير التقرير إلى أن إبستين كان يحمل عدة جوازات سفر أجنبية، بينها جواز نمساوي باسم مزيف، ما غذّى تكهنات حول أدواره العابرة للحدود، دون الجزم بانتمائه إلى أي جهاز استخباري.
علاقة غيسلين ماكسويل وروبرت ماكسويل
ويتوقف التقرير مطولًا عند علاقة إبستين بغيسلين ماكسويل، ابنة رجل الإعلام البريطاني الراحل روبرت ماكسويل، الذي عُرف بعلاقاته الوثيقة بإسرائيل وحظي بجنازة رسمية هناك بعد وفاته عام 1991.
ويطرح الكاتب تساؤلات حول رواية نيويورك تايمز التي تفيد بأن كبار مسؤولي «بير ستيرنز» «زكّوا» إبستين لدى روبرت ماكسويل، رغم علمهم بسجله المهني المثير للجدل، معتبرًا أن هذه التزكية لا يمكن فهمها خارج إطار الروابط السياسية والأيديولوجية المشتركة.
ليس ويكسنر… "الضحية" الملتبسة
كما ينتقد التقرير توصيف نيويورك تايمز لرجل الأعمال ليس ويكسنر بوصفه «أهم ضحايا إبستين»، مشيرًا إلى أن محيط ويكسنر حذّره مبكرًا من التعامل مع إبستين، ومع ذلك استمر في دعمه ومنحه نفوذًا ماليًا غير مسبوق.
ويربط الكاتب هذا الإصرار بعلاقة ويكسنر العميقة بالمؤسسات الإسرائيلية واللوبي الداعم لها في الولايات المتحدة، معتبرًا أن هذه الخلفية السياسية تفسّر جانبًا من الثقة التي حظي بها إبستين.
بين التحقيق الصحفي ونظريات المؤامرة
ورغم تداول فرضيات تتهم إبستين بالعمل ضمن «عمليات ابتزاز» لصالح إسرائيل، يؤكد الكاتب أنه لا يقدّم أدلة قاطعة على انخراطه في نشاط استخباري مباشر، لكنه يشدد على أن تجاهل علاقاته السياسية والإيديولوجية يفتح الباب أمام انتشار نظريات المؤامرة بدلًا من معالجتها صحفيًا بشكل مهني وشامل.
خاتمة
يرى منتقدو تحقيق نيويورك تايمز أن تجاهل البعد الإسرائيلي في قصة إبستين لا يضعف فقط فهم آليات صعوده، بل ينعكس أيضًا على ثقة الجمهور بالإعلام التقليدي، خاصة في ظل قضايا دولية حساسة مثل الحرب على غزة، حيث تُتهم وسائل إعلام كبرى بتقديم معالجات تقنية أو سياسية تتجاهل السياق الاستعماري وحقوق الفلسطينيين.
ويخلص التقرير إلى أن معالجة قضية إبستين، بوصفها ظاهرة سياسية واقتصادية لا مجرد قصة جريمة فردية، تظل ناقصة ما لم تُدرج شبكات النفوذ والعلاقات الدولية ضمن إطار التحليل الصحفي.


