خبر : الأسرى قمر على جبين الوطن .. بقلم : نافذ غنيم

الأحد 18 أبريل 2010 10:12 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الأسرى قمر على جبين الوطن .. بقلم : نافذ غنيم



  لا يعرف المعنى الحقيقي للقيد والسجن وقسوة الجلاد والزنزانة وغرف التحقيق، إلا من عاش آلام ومعاناة ذلك، ومزق قلبه فراق الأحبة، وبخاصة من فارق بسمة طفله قسرا ولا يعرف متى يلقاه .. ولأننا شعب عاش المعاناة تلو المعاناة وما زال يكابد كافة أصنافها، فقد صهرنا العذاب في بوثقة الوجدان الواحد، والإحساس المشترك، لا أقول أنها نعمة الاحتلال، وإنما هو الواقع الذي يوحد الشعب عندما تعصف به الازمات، وإذا ما واجه قوة غاشمة تسعى لاغتصاب حريته وأمنه وكرامته .        وإن كان الشهداء العنوان الأكثر سطوعا لتضحيات شعبنا العظيم، فان الأسرى هم نبع  الألم والعذاب الذي لا ينضب طالما بقي ظلام السجن يحاصرهم، وهم احد الشواهد الأساسية على قمع الاحتلال الإسرائيلي البشع لشعبنا .. لكنهم في ذات الوقت عنوان لصمود الشعب، وإرادته التي لا تعرف حدود للنضال المتواصل ضد سياسة الإجرام الإسرائيلي، فهم من يتصدر الصفوف الأمامية لجبهة النضال، وهم النموذج الإنساني الشاهد على قسوة الجلاد الذي لا يعرف للإنسانية طريق .        كثيرة هي المعارك التي خضناها داخل أقبية التحقيق، وداخل الزنازين والسجون والمعتقلات، ألاف الأخوة والرفاق عانوا سياسة إدارات السجون القمعية، منهم من أصيب وآخرين استشهدوا، وهناك من عوقبوا بالشبح والعزل لتمردهم على أوامر السجان الإجرامية .. كان الأساس بالنسبة للأسرى أن لا يكسر السجان إرادتهم، أو يسمح له بالمس بكرامتهم، فمنذ عشرات السنين لم تتوقف المواجهة مع إدارات السجون الإسرائيلية دفاعا عن حقوق الأسرى، ومن اجل تحسين أوضاعهم في عيش إنساني  يحقق لهم الحد الأدنى من العيش الآدمي، واستطيع القول بكل فخر واعتزاز بان الأسرى الفلسطينيين استطاعوا بكفاحهم الجريء المتواصل، أن يقدموا تجربة متميزة في الصمود والكفاح داخل السجون الإسرائيلية، فلم يثنيهم قمع الجلاد عن مواصلة التمرد على القيد ومعاناته، وقد حققوا انتصارات متتالية ضد سياسة السجان وممارساته المذلة، واستطاعوا أن يحولوا السجون من أوكار للذل وكسر للعزائم، إلى منارات للثورة والوعي الوطني، وان يجعلوا منها خنادق متقدمة للنضال، يؤكدون من خلالها تمسكهم بالمشروع الوطني وبالقيم الوطنية الأصيلة التي جسدها شعبنا عبر مسيرته المكللة بالدم والكفاح والصمود، وان يحولوها إلى واقع يقلق مضاجع المحتلين، والى شبح يطاردهم في كافة المحافل .       إن شعبنا يقدر كافة الأسرى بمختلف انتماءاتهم، اجل تقدير، وهو يستشعر معاناتهم خلف القضبان، ويسعى بفعالياته الاسبوعية إبقاء قضيتهم في صدر الاهتمام، وكذلك في يومهم الوطني " يوم الأسير "، ليقول لكل العالم بان الأسرى هم الجرح الفلسطيني النازف كل يوم وكل ساعة ولحظة، وبان شعبنا لا يمكن أن يقبل توقيع أي اتفاق مع الإسرائيليين دون أن يضمن تبيض كافة السجون الإسرائيلية من جميع الأسرى الفلسطينيين والعرب، ولتذكير أيضا كافة الجهات الرسمية الفلسطينية، بان قضية الأسرى بحاجة لمزيد من الاهتمام للتخفيف من ألامهم، والوقوف إلى جانب أسرهم الذين يعانون فراقهم الدائم، وكذلك قسوة الحياة.     كما لا يتوانى أخواننا ورفاقنا الأسرى تذكيرنا دائما بأنهم اعتقلوا لأجل أهداف سامية .. من اجل الحرية والاستقلال والعودة، من اجل كرامة هذا الشعب ووحدته، من اجل وطن سعيد يرسخ مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة للجميع، وبأن تضحيتهم كانت ولا تزال من اجل ذلك، وستفتر قيمتها إن حاد الجميع عن الطريق الصحيح.. طريق مواصلة النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي المجرم، وتوحيد الجهود وتنظيمها بعيدا عن الصراعات والمناكفات الداخلية، طريق الوحدة وإنهاء الانقسام الأسود الذي ينكل بشعبنا وقضيته .. طريق التمسك بالمشروع الوطني، وبالديمقراطية والحوار نهجا لحسم خلافاتنا الداخلية .        لم يكن من العبث أو التسلية أن قدم أسرانا داخل السجون الإسرائيلية في حينه وثيقتهم لإنهاء الانقسام، وإنما لإدراكهم العميق بان هذا الانقسام - إذا ما استمر-  يعني تدمير شعبنا وقضيته، بما في ذلك تبديد أمل الإفراج عنهم وتحريرهم، ولإحساسهم بان استمرار ذلك يضاعف من عذاب أسرهم، ويحاصرهم على مدار الساعة داخل مربع القلق، والشعور وكأن تضحيتهم وتضحيات كافة أبناء شعبنا ذهبت هباء منثور ...        يا سادة الانقسام .. قليلا من صحوة الضمير، لتستشعروا حال ونفسية أخوانكم ورفاقكم الأسرى عندما يحاصرهم الإحساس القاتل بان تضحياتهم قد بُخست، وبان البعض لا يقيم وزنا لمعاناتهم، وهناك من يستغل قضيتهم للمزايدة السياسية وربما للمتاجرة .. قليلا من الإخلاص والوفاء لهؤلاء المعذبين المنفيين، ليس بالشعارات والخطب النارية، وإنما بالفعل الصادق الذي يسبق تحريرهم، المتمثل بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، والتمسك الحازم بالمشروع الوطني، والتقدم بجراءة نحو إستراتيجية وطنية تؤمن تعزيز الفعل الشعبي المقاوم، وتنهي المتاجرة بالمقاومة المسلحة وتوظيفها لصالح الأجندات الخاصة، وتفتح الأفاق نحو آليات عمل جديدة تعزز الدبلوماسية الفلسطينية المثمرة التي تقربنا من أهدافنا، وتساعد على عزل إسرائيل من خلال فضح ممارساتها أمام المجتمع الدولي، والتصدي لسياستها العدوانية، كما تؤمن إطارا سياسيا لمشروع إعلان الدولة لتجسيدها واقعا ماديا على الأرض.         إن السير على هذا الدرب هو ما يريده إخواننا ورفاقنا الأسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.. وعندما يتحقق ذلك هم على يقين بان حريتهم ستكون قاب قوسين أو أدنى، وبان نضالهم قد أثمر كما هي تضحيات كافة أبناء شعبنا .. وحدة وحرية واستقلال ودولة وعودة .