على الرغم من تنامى وتعقد العلاقات الدولية وتشعبها بين الدول والشعوب ، وعلى الرغم من ألأنجازات الضخمة التى تميز الحضارة ألأنسانية فى بعدها العالمى ، ما زالت ظاهرة التصعيد والحروب ملازمة للعلاقات الدولية ، وتعرض هذه ألأنجازات للهلاك والدمار بمجرد قرار سياسى يدفع نحو مزيد من التصعيد الذى قد يقود الى حرب مدمرة . والنماذج كثيرة على مدار التاريخ ألأنسانى فى كل مراحله ، واليوم ظاهرة التصعيد والحرب التقليدية يجسدها الصراع العربى ألأسرائيلى ، واليوم الظاهرة ماثله فى النموذج ألأيرانى ، فالمنطقة تشهد نفس السيناريو الذى شهدته فى النموذج العراقى ، والذى أنتهى بحرب مدمرة للعراق لم تستيقظ منها المنطقة حتى ألأن ، وقد تترتب عليها تداعيات سياسية نرى أرهاصاتها فى أمكانية تقسيم العراق الى كيانات منفصله ، وفى تدخلات خارجية تعرض مستقبل المنطقة العربية كلها للخطر . هذا السيناريو قد يتكرر ، فنفس ألأحداث ، ونفس الفاعلين ، ونفس الدوافع والمحركات السياسية ، ونفس الطموحات القومية بإمتلاك قدرات القوة النووية ، بهدف السيطرة ، والتحكم فى موازين القوة ، وتغيير معادلاتها ، وهو ما يعنى تغير وتبدل فى مكانة وأدوار الدول سواء داخل ألأقليم، أو على المستوى الدولى ، هذا النموذج إذا أستمر فى التصعيد ، فلا بد أن ينتهى بحرب محدوده قد تتطور بالتأكيد الى حرب أقليمية فى بعد عالمى . ومع ذلك ما زال بالإمكان ألأبطاء بالتصاعد نحو صراع أو حرب شامله . ويمكن أن تكون الصراعات نادرة ، وقليله ، ويمكن أن يسود التعاون بدلا من الصراع .وهذا يتوقف على الحكومات وصانعى القرارالذين يرغبون فى تخفيف التوترات والصراعات بين دولهم وغيرهم ، و يتوقف لاى حد كبير على التنازلات والمبادرات التى تقدمها هذه الحكومات ، وأن يكون هذا التنازل حتى لو كان صغيرا ملموسا ويشعر به الشعب فى الدولة ألأخرى ، وإذا ما قابله بتنازل وخطوة أخرى وحتى لو كانت صغيرة فمن شأن ذلك تحسين العلاقات وتجاوز عنق الزجاجة فى التصعيد ، والدفع نحو تجنب أحتمالات الحرب والمواجهة العسكرية ، وخلق أجواء من الثقة المتبادلة ، والتفاهم ، وخلق حالة من المصلحة المشتركة التى قد يحرص كل طرف على الحفاظ عليها ، وعدم التراجع الى نقطة الوراء . وتفترض وجهة النظر هنا ، انه اذا ما قدمت أحد ألأطراف فى الصراع مبادرة للتفاهم وأحتواء التصعيد ،وقوبلت بالرفض ، فعلى الدولة المبادرة ألا تسارع ألى التصعيد ، وإنما تنتظر بعض الوقت ، ألا إذا تعرضت مصالحها القومية للخطر، هنا قد تنقلب ألأمور الى مزيد من الخطوات التصعيدية . وقد تنجح هذه الفكرة فى الصراعات الداخلية بأن يبادر أحد ألأطراف الى أتخاذ خطوة ملموسه ولو صغيره ، مثلا فى حالة ألأنقسام الفلسطينيى ، ماذا لو أتخذت حركة حماس مثلا خطوة بفتح مقار حركة فتح فى غزه ،أو ألأفراج عن متعقلين لدى الطرف ألأخر ، يمكن ان تحقق نتائج أيجابية لو قوبلت بنفس الخطوات . هذا النموذج على صعيد العلاقات الدولية قد يكون أكثر تعقيدا وصعوبة ، لأن عوامل الصراع قد تكون متجسده فى العديد من العوامل والبنى ألأجتماعية والسياسية وألأيدولوجية والبنى الثقافية ، وفى مسائل الكرامة الوطنية ، والطموح القومى . وفى التوقعات والصور الذهنية التى تحملها الدول والشعوب أزاء بعضها البعض ، وهو ما يسمى بنظرية الموأمرة، وقد تنطبق هذه الحالة على الصراع العربى ألأسرائيلبى ، وعلى الحالة ألأيرانية ألأمريكية ، فإيران تعتبر دولة مارقة ، وداعمه للأرهاب ، من وجهة النظر ألأمريكية ، وأمريكا فى المقابل قد تعتبر الشيطان ألأكبر من وجهة النظر ألأيرانية ، ومن شأن هذه التصورات أن تجهض كل مبادرة أو خطوة صغيره ، وقد تقابل بالشك وعدم الثقة ، وبنوايا تحكمها نظرية المؤامرة . وهذا ما يفسر لنا حالة التصاعد فى العلاقات ألأسرائيلية /ألأمريكية وألأيرانية ، ولذلك أى خطوة تقابل بالريبة والشك ، فمثلا أى تحرك عسكرى فى المنطقة قد تقابله أيران بمزيد من التصعيد ، ونفس الحال أى خطوة تقوم بها أيران من مناورات عسكرية ، وتجارب على صواريخ ،وأستمرار فى عملية التخصيب بنسب مرتفعه تقابله مزيد من الخطوات التصعيدية ، التى إن لم توقف بخطوات ومبادرات صغيره تقلل التصعيد ، فستذهب العلاقات الى الحرب والمواجهة العسكرية الحتمية . وفى سبيل تحقيق النجاح فيجب أن نربط بين حسن النية والرجوع عن التصاعد . وهنا قد أعود ثانية ألى الحالة الفلسطينية ألأسرائيلية ، فعلى سبيل المثال قيام أسرائيل بالأفراج عن عدد ملموس من ألأسرى ، أو ألغاء العديد من الحواجز ، أو تخفيف الحصار ، هذه الخطوات لو قوبلت بنفس الخطوات فلسطينيا يمكن أن تتدفع فى أتجاه الرغبة فى تجنب التصعيد ، ومثال آخر ألأغتيالات فالرد عليها ، من شانها أن تدخل الجميع فى حلقة ودائرة من العنف الدائرى . والمسألة قد لا تبدو بهذه البساطة لأرتباطها بالبنية السياسية الحاكمه وببنية الصفوة الحاكمه ، ومن هنا أحيانا يكون التغيير أحد الوسائل المطلوبه ، وهذا ما يدفع البعض للربط بين أنظمة الحكم الشمولية والمطلقة والعسكرية ، وأنظمة الحكم الديموقراطية وحالة التصعيد والحرب . وقد كانت هذه الدعوة موجوده تاريخيا فى الحروب الأوربية والدعوة الى تغيير انظمة الحكم المطلقة . لكن هذا التغيير ينبغى النظر اليه بحظر شديد وقد يأتى بنتائج عكسية اكثر تطرفا وتشددا ، وفى النهاية وعلى الرغم من تعقيدات النموذج ، لكن تبقى خطوة صغيرة فى أنهاء التصعيد مطلوبه للوصول لخطوات أكبر ، وتجنب حربا شامله . فهل أدركت ألأطراف المعنية بالصراع أهمية هذه الخطوة صغيرة .أكاديمى وكاتب عربى drnagish@hotmail.com