إن الناظر في تاريخ القضية الفلسطينية، يرى أن الدعوات لترحيل الشعب الفلسطيني وطرده عن أرضه ليست بالجديدة كما أنها ليست مرتبطة بقيام الكيان الغاصب بل قبل ذلك بكثير، فقد تحدث هرتزل المؤسس الأول للصهيونية عن ترحيل العرب حين دعاهم " المعدمين" وذلك قبل مؤتمر بازل الأول في سويسرا عام 1897، ثم جاء من بعده بن غوريون ليتحدث في ذات السياق عام 1937 أي قبل قيام الكيان الغاصب بعشرة سنوات، أما بعد النكبة الأولى للشعب الفلسطيني التي أصابته بقيام الكيان المحتل فقد توالت الدعوات وتشكلت اللجان والمؤسسات العاملة لتطبيق سياسة التطهير العرقي ضد المواطنين العرب، وربما أشهر من تحدث في هذا الصدد وأقربهم للذاكرة مناحيم بيغن الوزير في حكومة الكيان آنذاك عام 1988، أي بداية الانتفاضة الأولى حيث طالب بضرورة ترحيل المخيمات الفلسطينية ونقلها إلى سيناء، وظلت دعوات الترحيل والإعداد لها في السنوات اللاحقة حيث تم الحديث بوضوح في المؤتمر الشهير "هرتسيليا" المتخصص برسم السياسات الإسرائيلية عام 2000 عن القنبلة الديمغرافية الناتجة عن التكاثر السكاني للعرب مقابل اليهود في الأراضي المحتلة في إشارة إلى ضرورة التخلص من هذه الإعداد الزائدة . بعد ما تقدم ذكره يبدو واضحاً أن ترحيل الشعب الفلسطيني من أبجديات قيام دولة الكيان الصهيوني، ولكن ما الجديد في هذه الأيام حتى يثار هذا الموضوع بقوة وعلى صيغة قرار عسكري يخضع لإمرة الحاكم العسكري الصهيوني؟ ولماذا يصدر القرار عن المؤسسة العسكرية وليس عن المؤسسة السياسة؟ فلا بد أن الكيان الغاصب قد آوي إلى ركن شديد حتى يتحدث وبهذا الصلف وبكل قوة، فماذا أعد الكيان لمثل هذا القرار؟ وما هي المقومات الداعمة له؟ أولاً: وعلى صعيد القيادة الفلسطينية بكافة مؤسساتها، سواء أكانت أمرا واقعاً أم منزوعة الشرعية، فنحن أمام حكومة في الضفة تسعى لأمن اقتصادي والغاية في ذلك تبرر الوسيلة، فكان رئيسها أول شخصية "فلسطينية" وقفت على ذات المنصة التي تحدث من عليها القيادات الأمنية الإسرائيلية عام 2000 محذرة من القنبلة الديمغرافية في مؤتمر رسم السياسات "الإسرائيلية " وقفت هذه الشخصية تخاطب الشعب " اليهودي " وبدون أي حواجز. وهذه من أكبر الانجازات للكيان الصهيوني، ولم تقف الأمور إلى هذا الحد بل تبع ذلك تنازل عن حق العودة مقابل دولة على ورق تنعم بالاقتصاد والرخاء، فنحن أمام حكومة تغازل الكيان ليل نهار وتحت ضوء الشمس، أما بخصوص القيادة العليا المتمثلة برئاسة السلطة فنحن أمام قيادة أسقطت الخيار المقاوم، وتمسكت بالنواجذ بمسار التسوية، وجعلت من المفاوضات الحل الأول والأخير والوحيد، حتى لو كانت المفاوضات من أجل المفاوضات، في حين أن الكيان الصهيوني تمسك بالخيار العسكري أولاً وأخيراً وأعد لذلك ما أوتي من قوة، وجعل من المفاوضات ملهاة لمن أراد أن يتلهى، فالسلام عند الصهاينة هو ضمان الأمن دون مقابل، أما بمنظور المفاوض فهو هواية وغاية مقابل لاشي رغم الصفعات التي تلقاها تترا على وجهه . ثانيا: على صعيد الشعب الفلسطيني فنحن أمام شعب تم تفكيكه وزرع بذور الفرقة في أصوله وتقسيمه إلى فسطاطين، فسطاط يريد المقاومة وقد أعدت الزنازين نُزلاً له، وفسطاط لا يعلم ما يريد إلا انه يساهم في سياسيات الكيان بعلم أو بجهل. ولا أقول إن الأول حكر على فصيل دون الآخر بل هو خليط من المجموع، حيث تم وضع العراقيل أمام وحدة هذا الشعب، وهنا أجيب عن تساؤل القارئ .. لماذا لا يتم التوقيع على وثيقة المصالحة وإنهاء هذه الحالة إذا، فأقول إن المصالحة الآن أصبحت في يد غير فلسطينية بل في ذات اليد التي خططت لهذه الحالة ونجحت في استدراج الأطراف الفلسطينية عبر أيد دخيلة عليه منذ البداية، حيث الفوضى الخلاقة والفلتان الأمني وحرف بوصلة الشعب الفلسطيني عن وجهتها الحقيقية والانقلاب على خيار الشعب الديمقراطي، فأخشى أن موضوع إنهاء الانقسام بحاجة إلى قرار عسكري كهذا القرار الذين نحن بصدد مناقشته من اجل إزالة العقبات والحواجز ورفع عصا التهديد من أمام إعادة الشعب الفلسطيني إلى وحدته. ثالثا: على الصعيد العربي، فنعود إلى التاريخ مرة أخرى.. لأنه حافل بالمبادرات، ففي عام 1982 قدم الملك فهد حيث كان ولي عهد السعودية في قمة فاس مبادرة للسلام حيث رد الكيان بحرب لبنان، وعلى غرارها بعد 20 عاماً أي عام 2002 قدم الملك عبد الله حيث كان ولي عهد السعودية أيضاً مبادرة جديدة للسلام في قمة بيروت جاءت بعدها معركة مخيم جنين، فإذا صح القول مبادرتي سلام بين حربي إجرام، فالعرب أسقطوا خيار الحرب، بل جعلوه وسيلة وفزّاعة لإخافة الشعوب المقهورة، متعامين عن الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل وهو السيطرة على دول الجوار من اجل إقامة دولة " إسرائيل الكبرى"، فالكيان يريد سلاماً يكسر به العزلة عن نفسه، ويحقق له أهدافه، أما العرب فيستجدون حقوقاً مغتصبة عبر مبادرات للسلام يرد عليها الكيان بحروب إجرام، وهنا قد يبدو بعض قادة العرب منزعجين من قرار الترانسفير خوفا على سيادتهم في دولهم وهذا حق محفوظ لهم، إلا أنهم لا يملكون الجرأة باستخدام ما لديهم من أسلحة سلمية إذا صح التعبير كالتهديد بإنهاء العلاقات أو نقض المعاهدات الموقعة مع الكيان أو حتى وقف السياحة "الإسرائيلية" في مدنهم وشوارعهم. رابعا: لا نستطيع إغفال العالم الغربي بشقيه الأوروبي والأمريكي الذي ساند الكيان منذ بداية عهده بل وجعل منها دولة مدللة فوق القانون، لها أن تحاسب الجميع فيما لا يستطيع احد توجيه العتاب لها، وهذا ليس بالأمر الجديد فقد تعودنا على التعامي عن ممارسة الكيان دون أي اعتراض أو استنكار من العالم الذي يتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان. وأخيراً مقابل الارتماء الجلي على خيار التسوية من السلطة و العرب فقد جاءت الصفعة في الوجه بقرار خاضع لإمرة الحاكم العسكري وهذا أمر له عدة معاني، فهو يقول إن الأرض الفلسطينية التي يحلم البعض بان يمنح عليها دولة هي ارض " يهودا والسامرة " فهي خاضعة لإمرة الحاكم العسكري وليس السياسي كما هي السلطة كذلك أيضاً حسب أبجديات أوسلو الذي داسته جنازير الدبابات خلال انتفاضة الأقصى، فالمعنى تذكيري للسلطة بأساس وجودها عل سبيل الضغط والحشر في الزاوية، كما انه رد على من اسقط خيار المقاومة فالخيار حينها عند الكيان عسكري. كما انه قطع واضح لأمل العودة للاجئين وحق العودة بعد الحصول على بعض المباركات وان كانت متباعدة في الزمن من جنيف إلى هرتسيليا، فهذا القرار بمثابة دعوة للسلطة للتمسك بما هو في اليد وترك ما هو على الشجرة إن اسطاعوا إلى ذلك سبيلاً. وختاماً لعل التساؤل الآن لم يعد ماذا أعد الكيان للترحيل؟ بل ما الذي يمنع الكيان من الترحيل؟! وماذا أعددنا نحن لمقاومة هذا القرار؟! أمين سر المجلس التشريعي الفلسطيني