كلما صادفوه في " مناسبة وطنية " أو في مكان ما ، كانوا يقولون له : وبعدين معك؟ وناجي يستمع لكنه لا يلتفت للخلف ، يسير في الطريق الوعر الى اخره ، حاملا معه أرض ذكرياته عن قريته المحتلة وفي صدره هموم المخيم وحنظله الصغير ، هذا الولد الذي رافقه منذ الولادة ، أناه التي سرقت منه في ثانية واحدة. كانت تلك " الاشياء " زوادته اليومية في الطريق نحو خشب الصليب ، ناجي العلي يشبه الرب في قلب المسيحي المؤمن ، انه الطفل والشاب والابن والرفيق الوفي والنجار الماهر والروح القدس. ويواصل ناجي طريق الالام من " الشجرة " ، قريته في فلسطين المحتلة، الى خيمة باردة في لبنان ، الى كل هذا العالم الكبير الذي لم يتسع له ولم يسمعه جيدا . كما هو الحال مع الفلسطيني اللاجئ . وكل ما اراد قوله في الحقيقة : أنا ، لا اعرف كيف أكون غيري! كان ناجي يقول : انا حرّ . ومع الوقت ، وبعد بيروت الحصار والحرب ، صار الجمع المثقف في م ت ف وبعض ازلام " الثورة " الفلسطينية يقولون له : الا تريد ان تعيش؟ فيقول : بلى . اريد ان أعيش. يسالونه بعتب : والثورة؟ وهيبة قيادة م ت ف ؟ ما ترسمه يضر الوحدة الوطنيه! وناجي لا يشعر بالذنب او الخطيئة ، يقول لهم : طيب وشعبي؟ وحقي في العودة؟ وقضية الديموقراطية واصلاح مؤسسات م ت ف وخطايا الثورجيين ومحاسبة من اساء للقضية وكل هذا الوطن العربي؟ وانظمة الردة والخيانة ؟ وماذا بعد ؟ يرد عليهم. يتركوه ، بعد أن يسمع منهم عبارات أدمنها : " متطرف " و " صعب " و " فردي "! ويواصل ناجي رحلة النقش على الذاكرة الفلسطينية. وفي اليوم التالي يسخر من القائد المسؤول في الثورة الذي هرب من المعركة وترك المقاتلين بلا سلاح وبلا ماء . يهجم ناجي على قمم العرب ويعري من خانوا المقاومة في لبنان. كان ناجي صوت الشعب حين يشعر المخيم بالاختناق ، وكان يقرر ان يكون صوته وسلاحه ويصرخ بالنيابة عن الجميع: لا للمساومة ، نعم للمقاومة! في البداية ، ومثل كل نبي ، حاصروه وهددوه ، لم يجد الحصار . فقد وظيفته فصارت لقمة الصغار محاصرة هي الاخرى، ثم أبعدوه . حمل صغاره وواصل الرسم والسخرية ، وظل يبدع ويكتب وينسج سهام النقد الثوري الذي لا يضل هدفه ، فقالوا له : انت تنقد القيادة كل يوم ، والمبدع يغير ويتغير، اما لديك من موضوع اخر؟ الا يوجد في راسك غير موال واحد : نقد الثورة. يقول : نقد قيادة الثورة. ويقول لهم : لولا النقد لما كان الفكر والتصحيح. لماذا انتم منزعجون من ريشة حقيرة وطفل فلسطيني صغير؟ دعوني وشأني. لم يقولوا له : لان طفلك يفضحنا ويكشف عورتنا . لم يقولوا له أي شئ. تركوه ومضوا في الاتجاه الاخر. وتمتم هو : لكم دينكم وليّ دين. بعد سنة واحدة ، او اقل ، تكالب الجمع عليه مرة واحدة ، صار هدفا مشتركا ، لتجار الثورة والعدو ومخابرات العرب. وهكذا وزعوا دمه بين القبايل ، ثم صلبوه في العراء على رصيف بارد في لندن. * كاتب فلسطيني