في قرية جولس الهادئة في الجليل، يعمل متطوعون دروز إسرائيليون على تنظيم المساعدات لأبناء طائفتهم في سوريا، الذين عانوا من أعمال عنف طائفية دامية وقعت في أواخر تموز/يوليو.
على أحد جدران المركز الاجتماعي في القرية، المجاور لضريح الزعيم الروحي للطائفة الدرزية الشيخ أمين طريف، الذي يُعد مزارًا لأبناء طائفة الموحدين، عُلِّق العلم الدرزي بألوانه الخمسة، إلى جانب لافتة كُتب عليها بالعبرية: “خلية أزمة الطائفة الدرزية”.
ويشهد المركز حركةً مكثفة، حيث ينشط المتطوعون بين مركز اتصال لجمع آخر المعلومات الواردة من سوريا، وركن لوجستي لتنسيق جمع المساعدات وتوزيعها، وخلية إعلامية تُدير حملة عبر الإنترنت للتوعية بمحنة الدروز هناك.
وقال الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي الحالي للدروز في إسرائيل: “أنشأنا غرفة عمليات هنا لمراقبة ما يحدث في السويداء، وفي جميع أنحاء المنطقة، حتى نتمكن من مساعدة إخواننا وأخواتنا هناك”.
وشهدت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا، بدءًا من 13 تموز/يوليو، ولمدة أسبوع، اشتباكات بين مسلحين من البدو ومقاتلين دروز، قبل أن تتسع بدخول القوات الحكومية ومسلحين من العشائر إلى جانب البدو.
وأسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من 1400 شخص، غالبيتهم من الدروز، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قبل أن يُعلن عن وقف لإطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 20 تموز/يوليو.
ويتهم السكان السلطات بفرض “حصار” على السويداء من خلال تقييد الحركة إليها، وانتشار القوات في مناطق عدة من المحافظة، وهو ما تنفيه دمشق. ولا يزال الطريق الرئيسي الذي يربط السويداء بدمشق مقطوعًا، مع تمركز مجموعات مسلحة موالية للسلطة، تمنع حركة المرور واستئناف النشاط التجاري، بحسب المرصد.
وأعرب طريف عن أسفه لهذا الوضع، في وقت تتباطأ فيه عمليات إيصال المساعدات منذ وصول أول قافلة إنسانية في 20 تموز/يوليو، مع عودة الهدوء إلى السويداء، حيث أبلغت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن “ظروف صعبة للغاية”، ورفوف خالية في المتاجر، وانقطاعات متكررة في التيار الكهربائي.
وأفادت الأمم المتحدة بأن نحو 175 ألفًا من سكان السويداء نزحوا منها.
جئنا على الفور
في جولس، قال سليمان عامر، الذي اندفع للمساعدة: “بمجرد أن سمعنا أن غرفة عمليات أُقيمت هنا، جئنا على الفور”.
عاد المهندس البالغ من العمر 35 عامًا إلى المركز بعد يوم قضى فيه ست ساعات متواصلة في العمل التطوعي.
وأوضح، وهو ينظر إلى خريطة السويداء، أن فريقه يساعد في “جمع المعلومات وإجراء بعض الأبحاث… كم عدد القرى التي تعرضت للهجوم؟ كم عدد القتلى؟ وكم عدد المخطوفين؟”
وتضم إسرائيل أكثر من 150 ألف درزي، بينهم نحو 23 ألفًا في الجولان المحتل. وتقدّم نفسها على أنها حامية لهذه الأقلية، وقد تدخلت في النزاع السوري، فشنّت في الأيام الأولى ضربات طالت القصر الرئاسي، ومقر هيئة الأركان في دمشق، وأهدافًا عسكرية في السويداء.
ونظم دروز في إسرائيل تظاهرات طالبوا فيها الحكومة بالدفاع عن أبناء طائفتهم في سوريا، بل عبَر مئات منهم من الجولان إلى سوريا، رغم أن البلدين لا يزالان رسميًا في حالة حرب منذ عام 1967، تاريخ احتلال إسرائيل لجزء من هضبة الجولان، وخاضا آخر حرب عام 1973.
وقال المتطوع أكرم، الذي أفصح عن اسمه الأول فقط لأسباب تتعلق بالخصوصية: “أن تعيش كدرزي في إسرائيل، يعني أن تملك القدرة على التأثير… لأنها دولة ديمقراطية”.
وندّد بقلة الاهتمام والدعم الدوليين، معربًا عن خشيته من أن القادة الجدد في سوريا “لم يقطعوا صلتهم بماضيهم الجهادي”.
وعلى جدران المركز، علّقت ملصقات للرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، الذي تولى السلطة بعد الإطاحة ببشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر، تصفه بأنه “إرهابي يرتدي بدلة”، ما يعكس الخطاب الرسمي الإسرائيلي.
في مستودع قريب، كان عشرات الأشخاص، بينهم إسرائيليون يهود ودروز متدينون ونساء درزيات، يعملون على تجهيز حزم مساعدات غذائية وحفاضات.
“إنسانية مشتركة”
وقال الشيخ طريف: “نقوم اليوم بإرسال المساعدات عبر الطائرات… وهناك مساعدات نشتريها ونرسلها عبر الهلال الأحمر”.
ولم تتمكن وكالة فرانس برس من التأكد بشكل مستقل من كيفية وصول المساعدات الإسرائيلية إلى السويداء. وقد نشرت وزارة الصحة الإسرائيلية صورًا على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر صناديق مساعدات قيل إنها أُلقيت بالمظلات في المنطقة.
ووصف أكرم، الذي أنهى مؤخرًا خدمته في الجيش الإسرائيلي، غرفة عمليات جولس بأنها “نصف مدنية”، إذ يضم فريقها متطوعين يستخدمون خبراتهم العسكرية في جمع المعلومات والخدمات اللوجستية.
ويقول بعض المحللين إن إسرائيل تستخدم قضية الدروز كذريعة لتحقيق هدف عسكري يتمثل في إبعاد القوات الحكومية السورية عن حدودها.
لكن في جولس، يؤكد السكان المشاركون في العمل أنهم يقومون بذلك بدافع الشعور بالمسؤولية الجماعية.
قالت طالبة شابة لم تذكر اسمها: “حتى لو كان ذلك في بلد آخر، فهذا مجتمعنا”.
أما الشيخ أنور حمودي، البالغ من العمر 62 عامًا، فقال: “بسبب إنسانيتنا المشتركة، يجب علينا الوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم بقدر ما نستطيع”.
(أ ف ب)


