بالإجماع.. حكومة "إسرائيل" تحجب الثقة عن مستشارتها القضائية

الأحد 23 مارس 2025 05:19 م / بتوقيت القدس +2GMT
بالإجماع.. حكومة "إسرائيل" تحجب الثقة عن مستشارتها القضائية



القدس المحتلة/سما/

 صوتت حكومة الاحتلال الإسرائيلية، الأحد، بالإجماع لصالح حجب الثقة عن مستشارتها القضائية غالي بهاراف ميارا.

وقالت صحيفة “يسرائيل هيوم”: “بالإجماع ودون معارضة، قررت الحكومة الإسرائيلية سحب الثقة من المستشارة القضائية، وبدأت عملية العزل”.

وخلال جلسة الحكومة، قال وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي ميكي زوهار: “الجميع يرى عداء المستشارة القضائية للحكومة، وكلما بلورنا موقفا تقوم بصياغة آخر معارض”، وفق الصحيفة.

وبعدما جمّدت المحكمة العليا في إسرائيل قرار حكومتها بإقالة رئيس الشاباك رونين بار، استعدت لإقالة مستشارتها القضائية جاليت بهراف ميارا، اليوم الأحد، بدعوى أنها معادية وكيدية لها، وسط مظاهرات تتصاعد، احتجاجًا على توغّل نتنياهو بإجراءات الاستبداد، واستشراء الفساد، إضافة لخوف الإسرائيليين على مصير المحتجزين نتيجة وقف الاتفاق مع “حماس” ومعاودة القصف العشوائي على غزة.

وفي التزامن، يتواصل تراشق غير مسبوق بين المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية، وبقية “مؤسسات الكبح والموازنة”، بلغ ذروته بقيام رئيس حكومة الاحتلال بتوجيه تهم خطيرة على حافة التخوين لرئيس الشاباك بار، بقوله، في بيان، إنه علم بنيّة “حماس” القيام بـ “طوفان الأقصى” قبيل ساعات دون أن يفعل شيئًا.

 وليلة أمس، عاد وشَنَّ هجومه على رئيس الشاباك وعلى المستشارة القضائية للحكومة، واتّهمهما بحياكة ملف “قطر غيت” ضده، واتهام مستشاريه بتلقي أموال قطرية، كوسيلة لمنع إقالة بار من خلال تصوير أي إجراء ضده وكأنه انتقام لفتحه ملف تحقيق خطير، وبالتالي منع إقالته.

وسبق ذلك هجوم آخر لنتنياهو على الدولة العميقة في شريط فيديو بعنوان “ديب ستيت”، انضم فيه لوزرائه الرافضين لاحترام قرارات المحكمة العليا بقوله، بالتلميح، متسائلاً: “هل يعقل أن نواصل العمل بدون ثقة بسبب حكم محكمة؟”. وتابع: “هذا لن يحدث. بار لن يبقى وإسرائيل ستبقى ديمقراطية. نحن دولة قانون ولدينا صلاحية عزل رئيس الشاباك”.

عوامل تغذّي الاحتجاج
منذ أيام يزداد حجم الاحتجاج في الشارع الإسرائيلي، وتتفاقم لهجته بسبب تجديد القصف العشوائي على غزة، ليس حرصًا على حياة الفلسطينيين، بل على مصير المحتجزين، في ظل تزايد تقديرات مراقبين إسرائيليين بأن الحرب ستقتل مخطوفين وفلسطينيين، ولن تحقق هدفها بتدمير المقاومة الفلسطينية والظفر بنصر مطلق. من هؤلاء رئيس حكومة الاحتلال إيهود باراك، الذي قال للقناة 12 العبرية، أمس، إن نتنياهو يجدّد الحرب على غزة بدوافع سياسية فئوية ائتلافية، وتلبية شرط إيتمار بن غفير للعودة للحكومة، وهذا يضاف لعدد من الجنرالات والمراقبين الإسرائيليين ممن يشكّكون بجدوى الرهان على القوة العسكرية.

الفساد والاستبداد
مما يؤجج هذه المظاهرات اقتران الفهم بأن نتنياهو لا يكترث بحياة المحتجزين باستشراء الفساد والاستبداد. هذه المرة تأتي فضيحة الفساد المناوبة (قطر غيت) أكثر خطورة واستفزازًا، لا سيّما أن طابعها أمني، وتنطوي على اختراق لديوان رئاسة الوزراء، الذي لطالما اعتبر قدس الأقداس في إسرائيل.

وطبقًا للمعلومات الإسرائيلية، فإن الحديث يدور عن استخدام أقرب مستشاري نتنياهو من قبل جهات في قطر، التي تعتبرها جهات إسرائيلية واسعة راعية خطيرة للمقاومة الفلسطينية. تتكشف هذه الفضيحة المستفزة للكثير من الإسرائيليين على خلفية تورط نتنياهو وغيره في قضايا فساد، ما يرفع منسوب الخوف من استشراء الظاهرة ومن تطبيعها.

زيت على النار
كذلك، وإلى جانب الكشف عن عمق الفساد، يأتي هذا الاندفاع نحو الاستبداد والخوف من أزمة دستورية ليصبّ الزيت على نار الاحتجاج. وسط محاولة لاستغلال تعب الإسرائيليين من احتجاجات 2023 ومن الحرب وتبعاتها يسارع نتنياهو وحكومته، في الفترة الأخيرة، لاستكمال الانقلاب على النظام بطرد حراس الديمقراطية، “حراس العتبة”، المستقلين والمناهضين لتوجهات المستوى السياسي.

 في إقالة رئيس الشاباك والمستشارة القضائية للحكومة، وتغيير تركيبة لجنة تعيين قضاة المحكمة العليا، وغيرها من الإجراءات، يسعى نتنياهو عمليًا لتحويل إسرائيل لـ “عزبة” بدون نواطير، يكون فيها نتنياهو مختارًا أو حاكمًا بأمره، وهذا يخيف الشارع الإسرائيلي. يعبّر عن ذلك كاريكاتير صحيفة “يديعوت أحرونوت” وفيه إطار واجهته زجاج، يحتوي على خريطة الدولة، وكتب فوقها: “اكسر عند الضرورة”. ومقابله يقف نتنياهو، ومطرقة في يده مستعدًا لكسرها. في “يديعوت أحرونوت” أيضًا يعبّر عن هذه المخاوف محرر الشؤون الاستخباراتية الدكتور رونين بيرغمان بقوله إن ما يقوم به نتنياهو هو “إعلان تمرد ضد الدولة”.

أزمة دستورية
وتخشى أوساط واسعة في إسرائيل من أن هذا الصدام بين السلطات الثلاث سيقود لأزمة دستورية، وبالتالي لعنف، بل ذهب رئيس سابق للمحكمة العليا (أهارون باراك) للتحذير من حرب أهلية، والقول إن إسرائيل تبدو كالقطار على حافة منحدر.

جذور السجال
هذا التصادم غير المسبوق في إسرائيل مردّه ليس الصراع على السلطة فحسب، بل هو أكبر وأخطر، فخلفيته قديمة متراكمة: اختلافات عميقة بين علمانيين ومتدينين، بين شرقيين وغربيين، بين مستوطنين يبحثون عن حسم الصراع مع الفلسطينيين بالقوة مقابل راغبين بتسوية الصراع معهم. ويبدو أن أحداث الربيع العربي، عام 2011، ومن ثم التطبيع العربي المتزايد، أدى لتراجع الخطر الخارجي، وحفز انفجار خلافات واختلافات داخلية كانت قائمة ولكنها مقموعة ومؤجلة.

ضعف المعارضة
رغم أن رئيس المعارضة يائير لبيد قد دعا الإسرائيليين للخروج للشوارع، وهدّد بعصيان ضرائبي، فإن المعارضة تبقى بشكل عام ضعيفة وتفتقد لشخصيات كاريزماتية تكون قادرة على تجييش الإسرائيليين، الذين يُبدون، في الأيام الأخيرة، بوادر يقظة وخروج من اللامبالاة، فهل فعلاً هي مرشحة للتصاعد لحدّ فرملة نتنياهو؟

في ظل اقتران عوامل كثيرة، وبالتزامن مع إطلاق صواريخ مزعجة من اليمن (ومن لبنان أمس)، تشوش الحياة اليومية في إسرائيل، يبدو أن المظاهرات الكبرى، ليلة أمس، هي البداية لا النهاية، ومرشحة للتصاعد اليوم ولاحقًا.

يقول المعلق السياسي الإسرائيلي البارز ناحوم بارنياع إنها “خطوة أولى لسلسلة احتجاجات يومية راديكالية أكثر وراديكالية أقل. الشوارع تمتلئ بالمتظاهرين، وهي بعكس ما يجري في أمريكا”. ويضيف: “لكن المظاهرات تكون ناجعة عندما تكون موجعة. بدون وجع لا يوجد خوف، وعندها بلا رسن وبلا كوابح. نتنياهو يبدو اليوم بدون وجع. عشرات الآلاف الذين يصرخون ضده لا يسبّبون له وجعًا. فشل السابع من أكتوبر لا يوجعه، وكذلك مصير المخطوفين وعائلاتهم. التحرر من الوجع قوة. هو يتيح للحكومة دفع الانقلاب على النظام في ذروة حرب واستغلالها من أجل إسكات المعارضة. لذا يجب زيادة الضغط الجماهيري لضمان الإيلام”.

تأثير الاحتجاجات على مستقبل الحرب والصفقة وغزة
هل سيدفع استمرار الاحتجاجات، التي تحركها عدة عوامل، نحو وقف الحرب والعودة لصفقة؟ ربما تمضي حكومة الاحتلال في طريقها دون اكتراث للضغوط الداخلية والخارجية، فتواصل الانقلاب على النظام والحرب. هذا منوط بمدى قوة واستمرارية الاحتجاجات، ولكن مفتاح قضية العدوان على غزة، ومستقبل الاتفاق مع “حماس” المنتهك من قبل حكومة الاحتلال موجود في البيت الأبيض. ما يدور في شوارع إسرائيل والإعلام يتعدّى الاحتجاج، فهو معركة على الوعي، وعي الإدارة الأمريكية. هذه المظاهرات ترسل رسالة لواشنطن أن الرأي العام في إسرائيل ضد العودة للقوة، وفي هذا الخصوص قالت مذكرة عائلات الرهائن، أمس، لترامب إن نتنياهو يكذب ويسعى لتضليلكم. ويبدو أن الإدارة الأمريكية، ولعدة أسباب، تأخذ ذلك بالحسبان، وهذا ما انعكس في تصريحات ويتكوف الأخيرة.

تصريحات ويتكوف
في موقفه من نتنياهو أبدى ويتكوف، في تصريحات إعلامية، خليطًا من التفهم والتحفظ، إذ يقول، ضمن ما قاله ويتكوف، إن نتنياهو يسير بعكس الرأي العام في الشارع الراغب باستعادة كل المخطوفين الآن. كما قال ويتكوف، في نقد مبطن، إن نتنياهو مشغول بالحرب أكثر مما هو مشغول بالمخطوفين، لافتًا إلى أن “حماس” يمكن أن تبقى في غزة جزئيًا إذا نزعت سلاحها، مشيدًا بدور قطر، وكاشفًا لرغبة ترامب بطريق دبلوماسية مع إيران، فهل هذه إشارة لتغيير وشيك في الموقف الأمريكي من الحرب والصفقة؟ هل تتراجع الإدارة الأمريكية عن دعم أعمى لنتنياهو، بعدما سمحت لنتنياهو انتهاك الاتفاق الموقّع من طرفه، ومعاودة العدوان على غزة، وبعدما تورط ويتكوف نفسه بذلك بطرحه مقترحًا جديدًا لا يتضمن نهاية للحرب؟