عادت قضية زوال دولة الاحتلال لتتبوأ مكانًا خاصًّا ومتقدمًا في الأجندة الصهيونيّة، على وقع الهزائم التي تلحق بجيش الاحتلال على الجبهتيْن الجنوبيّة، مع المقاومة الفلسطينيّة، وعلى الجبهة الشماليّة مع حزب الله اللبنانيّ، ووفقًا للمصادر الأمنيّة الرفيعة في تل أبيب فإنّ إسرائيل تُحارب اليوم على سبع جبهاتٍ: المعركة في الشمال مع حزب الله اللبنانيّ، العدوان على قطاع غزّة، الهجوم ضدّ سوريّة والمنسوب لإسرائيل، حرب ضدّ ما أسمته المصادر بالإرهاب في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، الطائرات دون طيّارٍ، التي يتّم إطلاقها من العراق، والصواريخ الباليستيّة التي تُطلَق من اليمن من قبل جماعة (أنصار الله)، وآخرها الأحد الفائت على مدينة إيلات، جنوب الكيان.
لذا لم يكُن مفاجئًا بالمرّة أنْ يعود الجنرال بالاحتياط إسحاق بريك، ليُحذِّر مرّةً أخرى من زوال الكيان، ففي مقالٍ نشره بصحيفة (معاريف) العبريّة، رسم بريك خطّة (حزب الله) للقضاء على إسرائيل، حيث قال وبالحرف الواحد: يوميًا ستتعرّض دولة الاحتلال لحوالي ثلاثة آلاف صاروخ، مقذوفات وطائرات دون طيّارٍ، والتي ستسقط في العمق الإسرائيليّ، وذلك بهدف القضاء على البنية التحتيّة الإستراتيجيّة للكيان، أيْ محطّات إنتاج الكهرباء والمياه، منشآت للاحتفاظ بالوقود والغاز، البنى التحتيّة للمواصلات والمصانع، بما في ذلك ضرب القواعد العسكريّة للجيش الإسرائيليّ، من الجوّ والبحر والأرض، وذلك بهدف تخريب الدولة العبريّة، على حدّ قوله.
وشدّدّ الجنرال الإسرائيليّ على أنّ ما يجري من هدمٍ وضربٍ على مستوطنات الشمال من قبل حزب الله، لا يعتبر تهديدًا وجوديًا مقارنةً بما سيجري لإسرائيل، عندما تندلع الحرب الإقليميّة الوشيكة على ستّ جبهاتٍ في آنٍ واحدٍ، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ مَنْ يرى حالة الدمار بالمستوطنات الحدوديّة مع لبنان، يصِل إلى النتيجة الحتميّة بأنّ لإسرائيل لا توجد دفاعاتٍ حقيقيّةٍ من الصواريخ، المُسيّرات والمقذوفات التي يمتلكها حزب الله، طبقًا لأقواله.
وأوضح أيضًا أنّه وكنتيجةٍ لذلك، فإنّ للجيش الإسرائيليّ لا توجد منظومات دفاعٍ تحمي الكيان في حال اندلاع الحرب الإقليميّة على الجبهات الست، من دولٍ بالشرق الأوسط، مثل سوريّة وإيران والميلشيات المؤيّدة لإيران في كلٍّ من العراق واليمن، على حدّ قوله.
علاوةً على ما ذُكِر أعلاه، فإنّه على في البريّة ستندلع الحرب في ست جبهاتٍ: لبنان، سوريّة، الميلشيات التابعة لإيران من الحدود مع الأردن، من الضفّة الغربيّة، ومن قطاع غزّة بمُشاركة حركتيْ (حماس) و(الجهاد الإسلاميّ)، كما أنّ العرب في إسرائيل والذين يملكون مئات آلاف قطع الأسلحة غير المُرخصة سينضمون للمعركة، ويقومون بإطلاق النار داخل المستوطنات والمدن بالكيان، والأخطر من ذلك أنّ مصر قد تنضّم لما أسماه بالاحتفال، بعدما توصلّت القاهرة إلى قناعةٍ بأنّ اتفاق السلام مع إسرائيل لا يتعدّى كونه ورقة لا تُسمِن ولا تُغني عن جوعٍ، كما قال.
وتساءل الجنرال في مقاله: كيف لنا أنْ نحارب على هذه الجبهات، في الوقت الذي خسرنا فيه الحرب على جبهةٍ واحدةٍ ضدّ (حماس) في قطاع غزّة، هذه الهزيمة التي مردّها تآكل قوّة الجيش وردعه، وتحديدًا المشاة منذ أكثر من عقديْن من الزمن، لافتًا إلى أنّ النقص في عدد الجنود لا يسمح للجيش بتغيير القوّات المقاتلة في قطاع غزّة، كما أكّد.
بالإضافة إلى ما جاء أعلاه، أوضح الجنرال بريك أنّ الهدف الرئيسيّ من الحرب الإقليميّة القادمة حتمًا سيكون العمق الإسرائيليّ، والذي لم يتّم تحضيره وتجهيزه لمُواجهة مئات آلاف الصواريخ التي ستسقط عليه من جميع الجبهات.
وشدّدّ بريك على أنّ سُكّان منطقة المركز، والمعروفة باسم (غوش دان) يعيشون حياتهم بشكلٍ عاديٍّ، وهؤلاء يّذكرونني بالمُسافرين في سفينة (تايتانك) التي اصطدمت بالثلوج وغرقت. وتابع: “أقترح على هؤلاء أنْ يلتقوا بسُكّان (كريات شمونة)، الذين يذوقون الأمرّيْن من الصواريخ ليتذوقوا طعم الصواريخ، إذْ أنّهم من الممكن أنْ يفهموا ويشرحوا لباقي السُكّان أنّ ما ينتظرهم يُعادِل عشرات الأضعاف من الصواريخ التي يتّم إطلاقها يوميًا على (كريات شمونة)، في المعركة الدائرة الآن، والتي أدّت إلى دمار المدينة كليًّا”، كما قال.
وخلُص إلى القول: “قواعد الاشتباك بالمنطقة تغيّرت، وهذا أمر يفهمه العدوّ، وينتظر ومفعم بآمال جديدة للقضاء على إسرائيل بواسطة الـ 200 ألف صاروخ وقذيفة التي في مخازنه”.
ومن الأهمية بمكان التذكير أنّ المحلل السياسيّ الإسرائيليّ، آري شافيط، كان قد نشر مقالاً في صحيفة (هآرتس) في العام 2017 قال فيه إنّ إسرائيل كدولةٍ تلفظ أنفاسها الأخيرة، موضحًا أنّ الإسرائيليين هم حصيلة كذبة اخترعتها الحركة الصهيونيّة حول “المحرقة” و”أرض الميعاد”.
وأوضح شافيط أنّ الأوضاع في الكيان اجتازت نقطة اللا عودة، وأنّه لم يعُد من الممكن إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام، داعيًا إلى الهجرة ومغادرة الدولة العبرية، وأضاف: “إذا كان الوضع كذلك، فإنّه لا طعم للعيش في البلاد، يجب مغادرة البلاد.. إذا كانت الإسرائيليّة واليهوديّة ليستا عاملين حيويين في الهوية، وإذا كان هناك جواز سفرٍ أجنبيٍّ، ليس فقط بالمعنى التقنيّ، بل بالمعنى النفسيّ أيضًا، فقد انتهى الأمر، يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين”، على حدّ تعبيره.
وأردف المُحلِّل الإسرائيليّ قائلاً إنّه من هناك، من بلاد القومية المتطرفة الألمانية الجديدة، أوْ بلاد القومية المتطرفة الأمريكيّة الجديدة، يجب النظر بهدوء ومشاهدة دولة إسرائيل وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وطالب قادة الكيان بابتداع لغةٍ سياسيّةٍ جديدةٍ، تعترف بالواقع، وبأنّ الفلسطينيين متجذّرون في هذه الأرض، وتحثّ على البحث عن الطريق الثالث من أجل البقاء على قيد الحياة هنا، وعدم الموت، على حدّ تعبيره.