تناولت افتتاحية صحيفة إنفورماسيون الدنماركية اليوم الخميس الوضع في غزة من زاوية التسليط على ظهور الرئيس الأميركي جو بايدن "كنمر من ورق.. ورئيس مهان". واعتبرت أن تحذير بايدن لإسرائيل من تجاوز خط أحمر في رفح يتضح أنه مجرد قصة خيالية. وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد مقتل أكثر من 30 ألف شخص في غزة، بدا أن بايدن قد اكتفى وحدد عددا من المعايير لدخول إسرائيل إلى غزة، لكن نتنياهو تجاهلها. وتابعت "الآن يبدو بايدن وكأنه نمر من ورق"، مستعيدة قول جو بايدن في مارس/آذار الماضي لبنيامين نتنياهو "إن إسرائيل ستتجاوز الخط الأحمر الأميركي إذا غزت القوات رفح".
ولتوضيح كيف أنه نمر من ورق، ذهبت إلى أبعد من ذلك، في لغة تستخف بخطوط بايدن الحمراء، مذكرة أن الرجل كان نائبا للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما حين وضعا الخط الأحمر الأميركي بألا يستخدم بشار الأسد الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين"، ومضت تشرح: "لم توضع العواقب، وإن كان التفكير أنه سيذهب نحو رد عسكري، مع ذلك لم يأخذ الأسد التحذير على محمل الجد، فقتل في أغسطس/آب 2013 عدة مئات، ربما أكثر من ألف مدني في غارة جوية بالأسلحة الكيميائية في الغوطة".
وأشارت الصحيفة إلى أن وسائل الإعلام آنذاك ضغطت، إلى جانب أعضاء من الكونغرس، بأنه إذا لم ترد أميركا فإنها ستفقد مصداقيتها بما هي قوة عظمى، مذكرة كيف أن أوباما "قام بإرسال المسؤولية إلى الكونغرس للتصويت ضد إعلان الحرب على سورية. حرب من المؤكد أنها لن تحظى بشعبية كبيرة لدى الناخبين". وعلى خلفية ذلك، ترى إنفورماسيون بأنه الآن وبعد مرور أحد عشر عاما، لا يبدو نائب أوباما السابق، والرئيس الحالي بايدن، قد تعلم شيئا من تلك التجربة المحرجة.
ارتفاع أعداد الضحايا الفلسطينيين، بالنسبة لقراءة إنفورماسيون، كان السبب وراء تحذير بايدن قبل أكثر من شهرين من خطة اقتحام رفح "دون وجود خطة لضمان إجلاء وحماية 1.5 مليون (مليون ونصف المليون) لاجئ (مهجر) في المدينة". ورأت الصحيفة أن بايدن لم يعبر عن نفسه بوضوح، نظرا للنفوذ العالمي الذي تتمتع به أميركا، وهو فن لم يتقنه، مشددة على أنه حين صرح لقناة إم إس إن بي سي بأن غزو رفح يعد خطا أحمر، راح يخفف منه رويدا رويدا، بقوله "إن الدفاع عن إسرائيل لا يزال أمرا بالغ الأهمية، لذا فلن أحرمهم من جميع الأسلحة. سأدعم إسرائيل دائما".
وحملت الصحيفة الدنماركية بايدن مسؤولية زيادة الخسائر بالأرواح "فقد منح خطابه لإسرائيل مساحة كبيرة من الحرية فيما يتعلق بالخسائر المحتملة في صفوف المدنيين في عملية عسكرية في رفح". وأضافت، في السياق، أن تصريحات بايدن عن أنه لا يمكننا قبول مقتل 30 ألف ضحية مدني إضافي "يكون بذلك قد أعطى ضمنيا الضوء الأخضر لما يسمى في المصطلحات العسكرية (الإصابات العرضية بين المدنيين) في رفح، طالما أنها لن تصل إلى جانب عدد القتلى في مدينة غزة وخانيونس". وشددت صحيفة إنفورماسيون على أن نتنياهو "لم يجد صعوبة في إدراك هذا الغموض، مكررا ما كان يقوله طيلة الوقت إن الحرب لن تنتهي إلا عندما يتم تدمير البنية التحتية العسكرية لحماس وقيادتها في رفح، وحتى إذا ذهبت إسرائيل بمفردها".
وأكدت على أن ذلك الغموض لم ينته بعد، "ففي بداية مايو/أيار الحالي، شنت إسرائيل عمليتها العسكرية الأولى في رفح، وبعد ثلاثة أيام حذر بايدن على قناة سي إن إن أنهم "إذا ذهبوا إلى رفح، فلن يحصلوا على المزيد من الأسلحة، لإصلاح هذه المشكلة". الصحيفة تعتقد أن "ذلك يقدم مثالا رائعا على خطه المتناقض في الحرب قد امتنع أولا عن تسليم نوع من الصواريخ التي استخدمتها إسرائيل في حرب المدن في غزة مع عواقب مأساوية على السكان المدنيين"، مضيفة: "وبعد فترة وجيزة، قلب الطاولة وطلب من الكونغرس السماح بشحن ما قيمته مليار دولار من المدفعية وقذائف الهاون، وهذه بالضبط أسلحة تستخدمها إسرائيل حاليا في رفح".
وتحت عنوان فرعي "رئيس مهان"، رأت "إنفورماسيون" أنه "لا عجب أن حكومة نتنياهو لا تهتم بالولاء غير المشروط للولايات المتحدة، فسواء أكان الجو ممطرا أم مشمسا يمكنك الاعتماد على بايدن". وأضافت: "كان من الممكن أن يظن المرء أنه بمشاركة خمسة ألوية في رفح والقصف يومي الأحد والاثنين في رفح يجري أخيرا تجاوز الخط الأحمر الذي وضعه بايدن. لكن لا، الأمر ليس كذلك". وتشير إلى أن "الرئيس ومستشاريه يحركون الخطوط، حيث اعتبر مستشاره الأمني جيك سوليفان أن إسرائيل نفذت عمليات محدودة ودقيقة في رفح أكثر من أي مكان آخر في غزة".
وذكرت "إنفورماسيون" أنه لا الفلسطينيون ولا عمال الإغاثة في رفح ومحيطها يرون الأمر كما تراه واشنطن، لافتة إلى أن أكثر من مليون إنسان فروا إلى مناطق فيها مجاعة، حيث تنتشر ما تسمى الخيام الإنسانية في المواصي، وفي ظروف غير إنسانية "ورغم أن أميركا دعت إسرائيل إلى خطة تلبي الحد الأدنى من المعايير الإنسانية للاجئين، إلا أن الجيش الإسرائيلي يبدو راضيا عن دفع اللاجئين المشردين إلى خارج رفح وكأنهم قطيع ماشية". وختمت الصحيفة بالقول "يبدو أن نتنياهو تمكن من تحريك الخط الأحمر الذي وضعه بايدن دون عقاب، وهو ما تبين أنه خط وهمي. ولم يبق إلا رئيس مهان ومذلول، لا يستطيع إلا أن يلوم نفسه لأنه بدا زعيما ضعيفا".