تعليمات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بداية شهر تشرين الاول 2009 لتأجيل التصويت في مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة على تبني تقرير غولدستون جاء بعد لقاء شديد عقده معه رئيس جهاز الامن العام "الشاباك" – المخابرات يوفال ديسكن في المقاطعة في رام الله. وعلمت "هآرتس" بان ديسكن أبلغ عباس بانه اذا رفض تأجيل التصويت فان اسرائيل ستجعل الضفة "غزة ثانية". رئيس المخابرات، التابع مباشرة لرئيس الوزراء، هدد بالغاء تسهيلات الحركة واعادة حواجز الطرق التي ازالها الجيش الاسرائيلي في النصف الاول من 2009 الى مكانها. كما أن ديسكن حذر من أن رفض تأجيل التصويت سيؤدي الى تأجيل المصادقة على تشغيل الشركة الخليوية "الوطنية" التي وقعت على عقد مع السلطة. الامر الذي كان سيجبر السلطة على أن تدفع للشركة تعويضات بعشرات ملايين الدولارات. مصدر فلسطيني مقرب من ابو مازن قال لـ "هآرتس" ان ديسكن جاء للقاء في رام الله مع حاشية من الدبلوماسيين الاجانب كانت دعيت في ذات اليوم الى المقاطعة. وحسب ذات المصدر، فقد نقلت تهديدات مشابهة في تلك الايام الى قيادة السلطة على لسان ضابط كبير في الجيش الاسرائيلي. ومن المخابرات جاء أن الجهاز لم يدرج على التطرق في وسائل الاعلام للجداول الزمنية او باللقاءات التي يعقدها رئيس الجهاز. في شهادته امام لجنة تحقيق داخلية عينها هو – في أعقاب الانتقاد الذي وجه له عقب تأجيل التصويت، أخذ ابو مازن على عاتقه المسؤولية عن القرار. فقد نفى الادعاء بان قراره نبع من ضغط أمريكي، ولم يقترح تعليلا آخر. في مقابلة مع شبكة "الوطن" التلفزيونية قال الاسبوع الماضي عضو اللجنة، د. عزمي الشعيبي انه في اثناء شهادة ابو مازن امام اللجنة، والتي استمرت ثلاث ساعات، اعترف بخطأه وأعرب عن استيائه من استغلال القضية لاغراض سياسية. تقرير اللجنة، التي أنهت هذه الايام عملها يقضي بانه رغم العدد الذي لا حصر له للمقابلات التي اجرتها مع كل المحافل ذات الصلة، لم تتمكن من الاشارة الى الاسباب والاليات التي عملت على تأجيل التصويت. وينتقد التقرير القرار بتأجيل التصويت والاتصال المخلول بين ممثلي م.ت.ف في اللجنة وبين وزارة الخارجية ومكتب الرئاسة في رام الله. 33 من اصل 47 عضوا في مجلس حقوق الانسان أيدوا اقتراح م.ت.ف تبني تقرير غولدستون. وكان التصويت في المجلس سينقله – عبر الجمعية العمومية للامم المتحدة – الى مجلس الامن، ولكن لمفاجأة السفراء، وافق مندوب م.ت.ف في المجلس في اللحظة الاخيرة على تأجيل التصويت حتى اذار 2010. الوفد، برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون، اوصى بان يطالب مجلس الامن في الامم المتحدة اسرائيل بان تبلغه في غضون ستة اشهر – أي حتى اذار 2010 – بالتحقيق في الخروقات التي عثر عليها وعلى تقديم المسؤولين عن ذلك الى المحاكمة. واوصى التقرير بانه اذا لم يتم ذلك، فسينقل الملف الى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية. منعا لقرار مناهض لاسرائيل في النقاش وفي التصويت المتوقعين بعد شهرين، تحاول الولايات المتحدة التأثير على حكومة اسرائيل لاجراء تحقيق ذاتي ونشر تقرير عن عدة احداث قتل فيها مواطنون في حملة "رصاص مصبوب". ولهذا الغرض زار قبل عشرة ايام اسرائيل وفد امريكي كبير برئاسة مساعد وزيرة الخارجية لحقوق الانسان مايكل بوزنر. والتقى الوفد ضمن امور اخرى بالوزير دان مريدور الذي يؤيد التحقيق الذاتي وبرئيس الاركان غابي اشكنازي الذي يعارض بحزم التحقيق في سلوك الجيش الاسرائيلي في الحملة. كما التقوا ايضا النائب العسكري العام، اللواء افيحاي مندلبليت الذي عقد مؤخرا محادثات في واشنطن في ذات المسألة. بوزنر، الذي عين في المنصب الاعلى في الادارة في مجال حقوق الانسان شدد في محادثاته على أن مهمته ترمي الى مساعدة اسرائيل على أن تزيل من جدول الاعمال تقرير غولدستون. وحسب اقواله، فان السبيل الصحيح لعمل ذلك هو من خلال تحقيق جذري لخمسة احداث مركزية تتعلق بقتل مدنيين فلسطينيين تظهر في التقرير، ونشر تقرير مفصل عن هذا التحقيق.