قال مصدر قيادي في حركة حماس، إن حكومة الاحتلال "تمارس عملية تضليل ممنهجة للشارع الإسرائيلي وذوي الأسرى الموجودين لدى المقاومة، من أجل التملص من واجب تحرير هؤلاء الأسرى".
ونفى المصدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، صحة ما تداولته وسائل إعلام عبرية مقرَّبة من حكومة الاحتلال، بأن "حماس اقترحت إطلاق سراح 20 أسيراً فقط بدلاً من 40 خلال المرحلة الأولى من الاتفاق الذي طُرح أخيراً خلال جولة مفاوضات القاهرة"، قائلاً: "تبع ذلك الزعم، خروج تقارير صحافية عبرية تشير إلى أن من تبقّى من الأسرى على قيد الحياة، لا يتجاوز العشرين أسيراً، وهو مخالف للواقع".
وقال المصدر إنه "لا يمكن بالطبع تحديد عدد الأسرى الأحياء بدقة، ولكن المؤكد أنه أكثر من الأرقام التي يجري تداولها في الإعلام العبري". وكشف عن أن "لدى الحركة وحدها نحو 30 من الجنرالات وضباط الشاباك، الذين أُسِروا يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، من الوحدات العسكرية وبعض المواقع العسكرية شديدة الحساسية". وشدّد على أن "هؤلاء تحديداً في أماكن شديدة التأمين وبعيدة كل البعد عن أيدي الاحتلال، ومن المستحيل الوصول إليهم تحت أي ظرف"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو "وبعض وزراء حكومته، يخفون الكثير من المعلومات عن هويات بعض الأسرى العسكريين، تجنباً لعدم إثارة الغضب في صفوف القوات المقاتلة، وأن جزءاً كبيراً من الموقف الغاضب لممثل الجيش الإسرائيلي في وفود التفاوض بشأن الأسرى، اللواء احتياط نتسان ألون، يعود إلى حالة التراخي ربما التي يلمسها من جانب نتنياهو تجاه هذا الملف". وشدد على أن "السبيل الوحيد لتحرير الاحتلال أسراه، هو المفاوضات الجادة التي يتبعها التزام كامل لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار".
وفي حين لا يُعرف العدد الدقيق للأسرى الإسرائيليين الباقين في غزة بعد إعادة 112 أسيراً، كان مكتب نتنياهو قد أعلن مقتل 33 من بين 129 يزعم أنهم ما زالوا محتجزين في القطاع. لكن لا تُحدَّد أعداد العسكريين منهم، وهي استراتيجية يعتمدها الاحتلال لمحاولة تصنيف بعض الجنود أو الضباط المتقاعدين أو في الاحتياط كمدنيين، لتخفيض ثمن التفاوض عليهم خلال المحادثات التي كانت قائمة لتبادل الأسرى، في حين أن وجود الأسرى لدى أكثر من طرف في غزة يصعّب أيضاً من إمكانية حصرهم.
وكشف القيادي في الحركة أن "معاودة الاحتلال حملته العسكرية في الشمال والوسط، بعدما أعلن في السابق إجهازه على المقاومة هناك، يرجع لإدراكه عدم صحة ما زعمه سابقاً"، مشدداً على أن "المقاومة لا تزال بخير، ولا تزال تتحكّم بشكل منضبط ضمن هياكل متكاملة في ميدان العمليات". وقال المصدر إن زعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار "ليس معزولاً عن الواقع هناك، على الرغم من الحرب الدائرة والعمليات الاستخبارية الإسرائيلية التي لا تتوقف على مدار اليوم"، قائلاً إن "الحديث عن أن السنوار قابع معزول في الأنفاق، ما هو إلا زعم من جانب نتنياهو وأجهزته ليغطي على فشله في تحقيق الأهداف المعلنة أمام الشارع الإسرائيلي وأمام حلفائه"، مؤكداً أن السنوار "يمارس عمله قائداً للحركة في الميدان".
وقال المصدر إن السنوار "تفقّد أخيراً مناطق شهدت اشتباكات بين المقاومة وجيش الاحتلال، والتقى بعض مقاتلي الحركة فوق الأرض وليس في الأنفاق". وأضاف أن "المداولات التي جرت أخيراً بين قيادة الحركة في الداخل والخارج -دون أن يوضح طبيعتها- أطلع خلالها السنوار قيادة الحركة في الخارج على وضع المقاومة في القطاع، وأكد خلالها بأرقام وتقارير ميدانية دقيقة، قوة موقف المقاومة وصلابته وقدرتها على مجابهة قوات الاحتلال".
في المقابل، أكد القيادي أن الحركة "تتعاطى طوال الوقت بشكل جاد مع الطروحات كافة الخاصة بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار"، معتبراً أن "الإدارة الأميركية كشفت عن وجهها الحقيقي خلال جولة المفاوضات، بكونها طرفاً أصيلاً في الحرب على القطاع وليس وسيطاً". وقال: "منذ انتهاء تلك الجولة، وهي تستشيط غضباً بعدما فشلت عبر محاولات الضغوط كافة لإجبار المقاومة على القبول بشروط استسلامية لمصلحة حكومة الاحتلال وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من دون التزامات حقيقية تنهي معاناة الشعب الفلسطيني". ونفى المصدر تعرّض الحركة لضغوط من الوسيطين المصري والقطري، مؤكداً أن "مواقف القاهرة والدوحة جاءت متفهمة لمطالب المقاومة وشروطها".
وفي السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، طلال عوكل، لـ"العربي الجديد"، إن "المفاوضات تبدو كأنها تتجه نحو طريق مسدود"، مضيفاً أن "المشكلة ليست خاصة بالوسطاء العرب، وحتى لو دخلت تركيا على الخط، لأن نتنياهو لا يرغب في وقف القتال، ولا يهتم بأسراه بعد مرور كل هذا الوقت، وهو يجرّ الإدارة الأميركية خلفه".
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، مخيمر أبو سعدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "من الواضح أنّ المفاوضات وصلت إلى وضع صعب جداً"، مضيفاً: "صحيح أن مسؤولين في حماس قالوا إن المفاوضات لم تصل إلى طريق مسدود، ولكن في ظل رفض إسرائيل التعاطي مع شروط حماس ومطالبها الثلاثة، وهي وقف النار النهائي والانسحاب الكامل من قطاع غزة وعودة النازحين إلى شمال القطاع، وتمسك حماس بهذه الشروط، فإن الأمور وصلت إلى طريق صعب". وأكد أن "المشكلة ليست في الوساطة، سواء كانت مصر أو قطر أو تركيا أو غيرها، لكن المشكلة في محاولة الاحتلال فرض واقع جديد على قطاع غزة، له علاقة باستمرار الاحتلال في القطاع، وتهجير الفلسطينيين وعدم تقديم أي أفق سياسي للقضية الفلسطينية، في ظل الضغط الدولي بخصوص حلّ الدولتين".
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، قد قال أمس الأول الاثنين، إن حركة حماس "غيّرت مطالبها في مفاوضات الرهائن". وأضاف في مؤتمر صحافي أن "الولايات المتحدة ستواصل الضغط من أجل وقف القتال في غزة والتوصل إلى اتفاق يُطلق بموجبه سراح الرهائن الذين احتجزتهم الحركة بعد هجوم السابع من أكتوبر".
في المقابل، دانت حركة حماس التصريحات الأميركية التي حمّلت الحركة مسؤولية تعطيل التوصل إلى اتفاق بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مؤكدةً أنها "تصريحات تتناقض مع الحقيقة"، وأن الحركة "قدمت مرونة بتسهيل التوصل إلى اتفاق، لكنها كانت تصطدم بتعنت حكومة بنيامين نتنياهو ومماطلتها". وقالت الحركة في بيان لها إن "التصريحات لا تمتّ إلى الواقع بصلة، وهي تتناقض مع الحقيقة التي تؤكد أن حماس قدمت مرونة أكثر من مرة، لتسهيل التوصل إلى اتفاق يوقف حرب الإبادة والعدوان على شعبنا".
مقابل ذلك، تحدثت مصادر فضّلت عدم تحديد هويتها، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مقترحات في الوقت الراهن تتعلق بإجراءات الاستعدادات الخاصة بعملية الاجتياح البري الإسرائيلي المرتقبة لرفح، من بينها طرح أميركي إسرائيلي، قالت إنه يأتي للتعاطي مع المخاوف المصرية من عملية مواجهة مرتقبة مع النازحين حال بدء العملية الإسرائيلية". وأوضحت المصادر أن المقترح "يتضمن تجهيز قوات أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله، بحيث يجري إدخالها إلى القطاع بالتزامن مع بدء العملية، وتتمركز بمحاذاة الشريط الحدودي مع مصر، لتكون بمثابة فاصل يحول دون أن تكون القوات المصرية في المواجهة مع الغزاويين الذين يحاولون النزوح تجاه الأراضي المصرية". ولفتت إلى أن "تلك القوات التي ستكون تبعيتها لرئيس الاستخبارات في السلطة اللواء ماجد فرج، ستحظى بحماية وتنسيق إسرائيلي، بحيث لا تستهدفها القوات الإسرائيلية وقت الهجوم".